
السماء لا تتسع لنا -الفصل الرابع عشر (الكاتبة علا ابراهيم)
تجمّد فاروق في مكانه، عيناه اتسعتا من الصدمة، وقلبه خفق بقلقٍ بالغ.
هل يوجد أحد في حياتها غيره؟ مستحيل.
وفورًا، غيّر اتجاه السيارة بعنف وهو يسأله بصوت مشحون بالغضب والانفعال:
– حديقة إيه دي؟! وإنتوا فين؟!
أعطاه رمضان الاسم والعنوان. ولم يتردد فاروق للحظة، وانطلق إليها بأقصى سرعة.
توقّف أمام الحديقة.
نزل من سيارته بسرعة خاطفة، خطواته متسارعة نحو رمضان، صوته ينفجر بالسؤال:
– هي فين؟
أشار رمضان بيده، لينظر فاروق حيث أشار…
ووجدها.
سيدرا.
تمسك يد شاب غريب، وكأنها تتوسّله…
دمه غلى في عروقه، لكنّه تريّث.
رأى الشاب يزيح يدها بلطف، وكأنه يريد المغادرة، بينما هي مترددة… تحاول أن تبقيه.
تقدّم فاروق بسرعة، صوته يخترق الأجواء:
– سيدرا!
السماء لا تتسع لنا

وفي الوقت نفسه، كان الشاب قد أنهى حديثه، ترك يدها… وغادر.
توقف فاروق أمامها، وعيناه ما زالتا تلاحقان الشاب الذي يسير مبتعدًا، ظهره نحوه، ثم أعاد نظراته إليها.
نظرتها كانت قوية… ومتعبة.
قال بصوت غليظ، فيه من القسوة بقدر ما فيه من الحيرة:
– مين ده؟
سألها فاروق بقوة تلائم شخصيتها… وتلائم غيرته.
استدارت سيدرا دون أن تنطق، تعود إلى السيارة بخطوات سريعة.
لكنّه أمسك بذراعها، يوقفها، وعاد يسألها مرة أخرى… لكن هذه المرة بصوتٍ أقل قسوة، نبرة قلقة تبحث عن تفسير.
– ملكش دعوة، قالتها سيدرا بجمود.
نظرت في عينيه بجرأة، نظرة يعتدها منها… ثم أزاحت يده بقسوة صامتة، أعطته ظهرها وأكملت سيرها.
غادر فاروق خلفها، يحمل في صدره غضبًا، وشكًا… وخوفًا لم يعرف له اسمًا.
وراءها مباشرة، كان رمضان جالسًا في الكرسي الأمامي في موضع القيادة، ينتظر.
دخلت سيدرا السيارة بصمتٍ تام، ملامحها متوترة لكنها متماسكة.
وقبل أن يتحرّك رمضان، صعد فاروق فجأة إلى السيارة، وجلس بجوارها في المقعد الخلفي.
تنفّست سيدرا بحدة… نفخة ضيق وملل.
قال بصوته الجاف الآمر:
– متخرجيش من البيت تاني، أحسنلك. اليومين دول مش ناقصين، وزي ما انتي عارفة… الفرح النهاردة بالليل، وأنا مش ناقص مشاكل منك.
تفاجأت سيدرا من نبرة التعامل الفجة، حدّقت فيه بغيظ.
هي تعرفه… شاب متعجرف، مدلّل، لكن عنيد وذو شخصية مهيبة.
لا… هي لا تكرهه. لكنها كانت بالأمس مع صديقها، أو ربما حبيبها، الذي وعدها ثم تخلّى عنها.
وما جعلها توافق على زواجها من فاروق، ليس فقط شعورها بالخذلان… بل انجذابه الواضح نحوها، وقراره المفاجئ بتقديم موعد الزفاف إلى الليلة.
ليست مستعدة لأي شيء… لا نفسيًا، ولا حتى عمليًا.
همّت بالاعتراض، لكنّ ملامحه الصلبة، النظرة التي لا تقبل نقاشًا، جعلتها تصمت.
– والواد اللي شوفتك معاه دا… تنسيه خالص.
أكمل جملته، ونظر لها بابتسامة مستفزّة ثم أضاف بلهجة واثقة:
– وأعتقد إن بعد جوازنا… هتنسيه من نفسك.
ثم غمز لها.
غمزة أربكتها، أربكت توازنها، وجعلت عينيها تسرح رغماً عنها في ملامحه.
لاحظ فاروق نظرتها.
شاهد تأملها في وجهه بصمتٍ طويل، فأدار وجهه عنها نحو الشباك، مبتسمًا، تلك الابتسامة التي أربكتها أكثر.
نظرت إلى الطريق، تحاول أن تستعيد هيمنتها.
أوصلهم رمضان إلى منزل سيدرا، فنزلت من السيارة بهدوء، ابتعدت قليلاً، لكن شعورًا ما دفعها لتلقي نظرة أخيرة.
لفت وجهها تنظر إليه.
كان ما يزال يبتسم، يرفع إصبعه في تحذير صامت:
– “ما تعمليش كده تاني.”
أسرعت بالنظر أمامها مجددًا، لكن قلبها لم يستطع أن ينكر… فرحت.
لم تعلم ما السبب الحقيقي، هل هو اهتمامه؟ غيرته؟ أم أنها فقط أسرت قلب شاب ثقيل وذو نفوذ، مثل فاروق؟
ابتسمت بسعادة منتصرة…
ثم نظرت إليه مرة أخرى، هذه المرة بابتسامة شقية، وكأنها تقول: أنا هنا، ولا أنوي الرحيل.
فاروق صُدم.
نظرتها كانت مباشرة، إعجابها واضح…
تجمّد في مكانه، يريد أن يوقف كل شيء، فقط ليتأكد…
هل كان يتوهم؟ أم أنها حقًا… بدأت تحبه؟
وبعد أن اختفت عن نظره، أمر رمضان بجدية:
– روح على البيت التاني… عند أروى.
لقد اتخذ قراره.
سيتخلّص من أروى، إلى الأبد.
اليوم… هو زواجه من سيدرا.
والقصة مع أروى يجب أن تنتهي… الآن.
الكاتبة : علا ابراهيم