همس داخل المقبرة
همس داخل المقبرة

قصة قصيرة من قلب الظلام… حين يتحول الفضول إلى لعنة.
كانت الساعة تقترب من منتصف الليل حين قرر “سامي” أن يسلك الطريق المختصر عبر المقبرة القديمة. كان الظلام يلف المكان كعباءة سوداء، والرياح الباردة تمرّ بين الأشجار اليابسة فتُصدر صفيراً كأنها أنين الأرواح.
لم يكن سامي يؤمن بالخرافات، لكنه شعر بتردد غريب حين وقف أمام البوابة الحديدية الصدئة. دفعها بخطوة حذرة، فصرّت بصوتٍ حاد مزّق سكون الليل، وكأنها تحذّره من الدخول.
تقدّم بخطوات بطيئة، محاولاً تجاهل نبضات قلبه المتسارعة. كانت المقبرة مهجورة منذ سنوات، يُقال إن أحداً لا يجرؤ على دخولها بعد منتصف الليل. "مجرد إشاعات"، قال في نفسه محاولاً طرد الخوف.
لكنه توقف فجأة… لقد سمع شيئاً. همس خافت، كأن أحداً يناديه باسمه:
"سااامي ….يا ساااامي …"
التفت حوله بسرعة، فلم يرَ أحداً. تنفس بعمق وأكمل طريقه، لكنه سمع النداء مجدداً، هذه المرة أقرب، أو هكذا خُيّل له. ارتعش جسده، ونظر إلى شواهد القبور التي بدت وكأنها تنظر إليه بعيون مظلمة خفية.
اقترب من شاهد قبرٍ كُتب عليه:
“هنا يرقد من لم يجد الراحة بعد…”
لم يفهم ما المقصود، لكن فجأة شعر ببرودة غير طبيعية تسري في أطرافه، وكأن شيئاً يزحف على جلده. ثم سمع صوت خطوات خلفه. استدار بسرعة، فلم يجد أحداً. ومع ذلك، كانت الأرض مبللة رغم أن المطر لم يهطل منذ أيام، وكأن أحدهم عبر من هناك لتوّه.
بدأ قلبه يخفق بجنون. أراد الركض، لكن قدميه تجمدتا.
ثم سمع الهمس مرة أخرى، بوضوح هذه المرة:
"أعد إليّ ما أخذت…"
صرخ سامي:
– من هناك؟! لم آخذ شيئاً!
لكن الرد جاء كعاصفة من الأصوات، عشرات الأصوات تتداخل، تخرج من باطن الأرض:
"أعده… أعده… قبل أن تأخذك الظلمة!"
في تلك اللحظة، لاحظ شيئاً يلمع عند قدميه. انحنى ليراه، فإذا به خاتم فضي قديم، عليه نقش غريب. تذكّر أنه وجده قبل أيام قرب هذه المقبرة وأخذه دون اهتمام.
ارتجفت يداه، وألقى بالخاتم على الأرض وهو يصرخ:
– خذوه! لا أريده!
لكن الأرض بدأت تهتز، وانشقّت تربة القبر أمامه. خرجت يد رمادية متحللة تمسك بالخاتم ثم اختفت، وأغلق القبر على نفسه كأن شيئاً لم يكن.
تراجع سامي وهو يلهث، وركض نحو البوابة دون أن يلتفت وراءه. وحين خرج، توقف ليلتقط أنفاسه، ثم نظر إلى المقبرة للمرة الأخيرة. كل شيء عاد هادئاً كما كان… إلا أنه لمح من بعيد ظلّاً يقف بين القبور، يراقبه.
في اليوم التالي، وجده الناس ممدداً قرب البوابة، فاقد الوعي، وعلى يده آثار نقشٍ غامض يشبه تماماً النقش الذي كان على الخاتم.
ومنذ ذلك اليوم، لم يجرؤ أحد على عبور المقبرة بعد منتصف الليل… لأن الهمس لم يتوقف بعد.