
🕯️ الصدى المفقود
"أحيانًا لا يضيع الصوت في الفراغ… بل يعود من حيث لا يجب أن يعود."
مقدمة:
في قريةٍ صغيرةٍ يلتهمها الصمت بعد الغروب، كان هناك بيتٌ مهجور يتهامس الناس حوله بخوف.
بيتٌ قيل إن من يدخله لا يسمع صوته من جديد… لأن صَداه يُسجَن في الجدران إلى الأبد.
بداية القصة:
كان "مروان" شابًا في العشرينات، طموحًا يبحث عن الشهرة عبر قناته الصغيرة على الإنترنت.
وحين سمع عن البيت المهجور في أطراف القرية، قرّر أن يحوّله إلى محتوى مثير، يرفع مشاهداته ويثبت أن قصص الرعب ليست سوى خرافات.
في ليلةٍ هادئةٍ باردة، خرج يحمل كشافه وهاتفه.
كان الطريق يغوص في الظلام، والأشجار تتمايل كأنها تحاول منعه من المضيّ قدمًا.
حين وصل إلى البوابة الحديدية القديمة، دفعها ببطء، فصريرها اخترق سكون الليل كصرخة مكتومة.
ضحك أمام الكاميرا وقال بصوتٍ واثق:
"البيت فعلاً مرعب… لكن لنرى ما وراء الأسطورة."
داخل البيت:
كانت الرائحة خانقة، مزيجًا من الغبار والعفن والرطوبة.
وفي أول الصالة، لاحت له مرآة ضخمة مُغطاة بطبقةٍ من الغبار، تعكس ظلاله بشكلٍ مشوّه.
أضاء الكشاف نحوها فرأى ملامحه باهتة، وعينيه كأنهما لا تعكسان الضوء.
قال في نفسه وهو يضحك بتوتر:
"مجرد خداع بصري… لا أكثر."
تحرّك ببطء، وكلما خطا خطوةً، سمع صدى خطواته يتضاعف في كل أرجاء البيت.
لكن بعد دقائق، تردّد صوت آخر يشبه خطواته… يأتي من الطابق العلوي.
رفع الكشاف نحو السُّلم ونادى بصوتٍ مرتجف:
"هل يوجد أحد هناك؟"
توقّف الصوت للحظة… ثم عاد الصدى ليجيبه بنفس نبرته، بنفس كلماته، لكن ببطءٍ غريب:
"هل يوجد أحد هناك؟"
الرعب الحقيقي:
سقط الهاتف من يده، وارتطم بالأرض.
تراقص ضوء الكشاف، والظلال على الجدران بدأت تتحرّك وكأنها كائنات تتنفس من جدران البيت.
ثم لاح من بعيد بريقٌ خافتٌ من المرآة، كأنها تلمع بدعوةٍ غامضة.
اقترب منها ببطء، وكل شيء من حوله بدا ساكنًا كأنه ينتظر اللحظة التالية.
نظر داخل المرآة، فوجد انعكاسه يبتسم ابتسامةً لم يقم بها هو.
الابتسامة اتسعت، والعينان في الانعكاس اشتعلتا بوميضٍ بارد.
مدّ الانعكاس يده من داخل الزجاج، وتشققت المرآة ببطءٍ قبل أن تمتد منها يدٌ شاحبة تمسك بذراع "مروان" وتجرّه بعنف إلى الداخل.
اختفى صوته تمامًا، وساد صمتٌ ثقيل… ثم عادت المرآة كما كانت، لكن انعكاسه بقي فيها، يحدّق بعينين خاليتين من الحياة.
النهاية:
في صباح اليوم التالي، عثرت الشرطة على الهاتف ملقى على الأرض، والكاميرا ما زالت تعمل.
الفيديو توقّف عند جملةٍ واحدة قالها بصوتٍ خافت قبل أن يختفي:
"أنا لست وحدي هنا… الصدى يردّ عليّ."
ومنذ ذلك اليوم، لم يجرؤ أحد على دخول البيت.
فالناس تقول إنهم يسمعون عند منتصف الليل صوت شابٍ يهمس من الداخل بنفس النغمة،
صدىً يعود بلا صاحب،
وصوتٌ ضائع… يبحث عمّن يرد عليه.