صوت في الظلام
صوت في الظلام

منذ اللحظة التي وصل فيها أحمد وصديقه سامي إلى المدينة النائية، شعر كل منهما بأن هناك شيئًا غريبًا في الجو. كانت المدينة هادئة بشكل غير طبيعي، وكأن الزمن قد تجمد فيها. لفتت انتباههم العديد من المنازل المهجورة على أطراف المدينة، لكن أحد هذه المنازل كان يثير اهتمامهما أكثر من غيره. كان يقع في الزاوية المظلمة للشارع الرئيسي، وعليه طبقة كثيفة من الغبار والأتربة، كما كانت نوافذه مكسورة وأبوابه مهدمّة، وكأنها تنتظر شيئًا ما للعودة إليها.
قال أحمد لصديقه سامي:
"لماذا لا نستكشف هذا المنزل؟ يبدو أنه يحمل شيئًا غامضًا."
"هل أنت جاد؟" أجاب سامي مترددًا، "أنت تعرف أنه يقولون أن هذا المنزل ملعون، والمحيط كله يبدو كأنه مغلق على نفسه."
لكن فضول أحمد كان أكبر من خوفه، فتوجه مع سامي إلى المنزل. بمجرد دخولهما عبر الباب المهدم، شعر كلاهما بشيء غير طبيعي يحيط بهما. كانت الجدران تعكس صمتًا رهيبًا، والهواء في الداخل كان ثقيلاً، كما لو أن المنزل نفسه كان يتنفس.
بينما كانا يستكشافان الغرف، سمعا فجأة صوتًا خافتًا يأتي من الطابق العلوي. كانت الأصوات أشبه بالهمسات، ولكن مع مرور الوقت أصبحت أكثر وضوحًا، وكأنها تهمس بأسمائهما. قرر أحمد أن يصعد إلى الطابق العلوي لاستكشاف مصدر الصوت، رغم أن قلبه كان ينبض بسرعة.
مع كل خطوة كانت قدماه تقطعها على السلم الخشبي المتهدم، كان الصوت يزداد قوة، وأصبح لا يُطاق. وعندما وصل إلى آخر الدرجات، شعر بيد باردة تمسك به من الخلف. التفت ليجد سامي واقفًا خلفه، لكن ملامح وجهه كانت شاحبة تمامًا. كان سامي ينظر نحو الزاوية المظلمة في نهاية الممر العلوي، حيث كان يظهر ظلٌ غير واضح لِشخص ما.
"أحمد، نحن لسنا وحدنا هنا." قال سامي بصوت مرتجف.
وقبل أن يتمكن أحمد من الرد، سمعا فجأة صوتًا عميقًا يخرج من الظلام. كان الصوت كالرنين البعيد، ويزداد وضوحًا مع كل ثانية تمر. بدا وكأن الصوت يتحدث إليهما، بصوت يشبه الهمسات ولكنها معكوسة.
"اخرجوا... لا تلمسوا الأشياء... لا تدخلوا هنا..."
وفجأة، اهتز المنزل بالكامل، وكأن شيئًا ما تحرك فيه بوحشية. دفعت الرياح بباب غرفة مظلمة ليفتح فجأة، ليكشف عن ممر ضيق للغاية، بدا وكأنه يمتد إلى مكان بعيد في قلب الأرض.
أدرك أحمد في تلك اللحظة أن المنزل ليس مجرد مكان مهجور. كان شيء آخر في داخله، شيء لا يمكن تفسيره. عندما همّ أحمد بالخروج مع سامي، سمعا أصواتًا تصدر من الممر الضيق، وكان الصوت نفسه يزداد قوة حتى أصبح غير محتمل. كان الصوت يقول: "لن تخرجوا... لن تخرجوا أبدًا..."
في اللحظة الأخيرة، قبل أن يغادروا، شعر أحمد بشيء ثقيل يجذب قدمه نحو الأرض. نظر لأسفل ليرى يديْن عظامين تمتد من تحت الأرض، وشيئًا غريبًا يخرج من الظلام يحاول سحبهم إلى الداخل. فزعوا وركضوا بسرعة نحو الباب، لكن لا شيء كان سيوقفه. مع خروجهما من المنزل، نظر أحمد خلفه ليكتشف أن الأضواء في الشوارع كلها كانت تنطفئ تدريجيًا، وكأن المدينة نفسها تتحول إلى مكان مهجور، مثل ذلك المنزل الذي لا يمكن الهروب منه.