📞 كابينة الاتصال الأخيرة: رعب هاتف الصحراء 📞
. الوحدة على الطريق السريع المنسي
كان سالم يقود سيارته لأكثر من اثنتي عشرة ساعة متواصلة على طريق صحراوي لا نهاية له. الشمس كانت قد غابت، تاركة خلفها سماء سوداء يسيطر عليها الهدوء المخيف. كان البنزين ينفد، وعداد الأميال يئن ببطء، والأهم من ذلك، أن هاتفه المحمول فقد إشارة الاتصال تمامًا. وسط هذا الفراغ المطلق، ظهرت فجأة نقطة غريبة على جانب الطريق: كابينة هاتف زجاجية قديمة، مكسوة بالصدأ والغبار، تبدو وكأنها تركت هناك منذ زمن سحيق. كانت مهجورة، لكن وجودها وحده كان يوحي بوهم الأمل في استعادة الاتصال بالعالم.
2. رنين غير متوقع في ساعة متأخرة
توقف سالم ونزل من سيارته. اقترب من الكابينة المتهالكة، ووجد أن سماعة الهاتف معلقة بخيط متدلٍ بالكاد. كانت فكرة إجراء اتصال مستحيلة، فشبكة الهاتف الأرضي في هذه المنطقة اندثرت منذ عقود. وبينما كان يتفحص الزجاج المخدوش، حدث ما لم يكن في الحسبان: رن الهاتف. كان الرنين صوته حادًا وعميقًا، يكسر سكون الصحراء كصرخة مدوية. تجمد سالم في مكانه، فمن المستحيل أن يرن هاتف ميت في قلب العدم. مد يده بتردد نحو السماعة الباردة.
3. الصوت من أعماق الرمال
التقط سالم السماعة، لكنه لم يتكلم. عبر الخط، سمع همسة خافتة، أشبه بـ صوت ريح تُصفّر عبر رمال ساخنة. ثم جاء صوت، صوت امرأة منهكة تئن ببطء: "هل... هل وصلت؟ أنا هنا... تحت النخلة الميتة." شعر سالم بالبرد يزحف في عموده الفقري رغم حرارة الصحراء. سألها متلعثماً عن هويتها وكيف تتصل، لكنها تجاهلت سؤاله وتابعت بصوت يتكسر: "كانت الساعة الثالثة فجراً عندما انقطع الخط. لا تتركني أجيب! لا تجب عليهم!". قبل أن يتمكن من فهم ما قالته، تحول صوتها إلى صراخ عنيف، كأنها تُسحب قسراً، وانقطع الاتصال.
4. اتصال ثانٍ ورسالة مشؤومة
أعاد سالم السماعة، وكانت يده ترتجف. حاول أن يُقنع نفسه بأنها مجرد خدعة، أو إشارة لاسلكية ضالة. بعد دقيقة واحدة، رن الهاتف مرة أخرى. تردد سالم، لكن فضوله المرضي دفعه للرد. هذه المرة، كان الصوت صوت رجل أجش، صوته مليء بالغضب والضياع: “لا تحاول الهرب! لا يوجد هروب من الصحراء، يا سالم. نحن ننتظرك هنا منذ ألف ليلة. لقد أجبت على نداءنا، والآن... أنت منا. أسرع، تعال إلى الجانب الآخر من الخط. كابينة الاتصال الأخيرة تطلبك.”
5. البحث عن أثر، والظلال المتحركة
ألقى سالم السماعة واندفع خارج الكابينة. كان الرعب حقيقياً وملموساً. بدأ يفكر في كل قصص التائهين الذين اختفوا في هذه الطرق المنسية. نظر إلى الكابينة مرة أخرى، ولاحظ شيئاً لم يره من قبل: كان زجاج الكابينة مغطى من الداخل بآلاف الخدوش الرأسية الصغيرة، كأن شخصاً محبوساً حاول يائساً حفر طريقه للخارج بأظافره. وفي ضوء القمر الخافت، شاهد الظلال خارج الكابينة تتمدد وتتغير، كأنها أيادٍ وهمية تحاول الإمساك به. أدرك أن المكالمة لم تكن من شبكة أرضية، بل من شبكة الأرواح المعلقة في الفضاء بين الحياة والموت، وأن الكابينة هي بوابتها.
6. النهاية الصامتة على الخط المفتوح
