فكرة صغيرة اعادة حب قديم الى الحياة
ساقية ماء تمر بالقرب من شجرة الزيتون ..شجرة صامدة شامخة تعانق السماء وتلتحف الشمس وتغوص في الارض امتارا وامتار ..كوخ صغير ريفي متواضع تحوم حوله العصافير ..مروج خضراء يسكنها الامل والامان تتراكض عليها اغنام العم جان ..رجل عجوز بلغ السبعين من العمر يتمتع بقوة الشباب وبراءة الاطفال ..انسان لايعرف الملل ولا التعب يعيش ويحب حياته بكل تفاصيلها .اعتاد العم جان ان يستيقظ صباحا ويتناول طعام الفطور ثم يذهب الى الاسطبل يخرج الاغنام ويطعم الخيل والبقرة ويضع الحب في قن الدجاج ..كان سعيدا في حياته ولم يفكر يوما بما يفكر به رجل في مثل عمره ..كان يشعر ان مازال لديه الكثير ليقدمه لمن حوله لا كلل ولا ملل ولا هوادة
في ذلك اليوم حدث امر غريب لم يحدث من قبل سمع صوت خشن قادم من بعيد ينادي عليه بصوت مرتفع ايها البليد اين انت تعال الي تعال القي التحية استغرب العم جان من هذا الاسلوب المتعجرف لكن سرعان ما خطر على باله صديق قديم له وعادت به الذكريات بجولة سريعة لمكان تعارفهما ولمدة صداقتهما وكيف ابتعدا عن بعضهما البعض
ابتسم ابتسامة اشرقت بها وجهه المجعد وقال من هانس هل انت هانس هيا اجب صاح هانس لازلت كما انت صديقي وتعانقا عناقا طويلا عناقا بعد سنوات مديدة من الحرمان سنوات زاد العمر بها وتعب الجسد وامتلات الروح بالقصص والذكريات المؤلمة والجميلة
رائحة الشاي الممزوج بالعسل تملأ المكان …وصوت نقيق الضفادع وصفير الصراصير الليلية جلسا يتبادلان اطراف الاحاديث
سأل جان صديقه هانس ماذا فعلت طوال تلك السنين التي مضت احكي لي طأطأ هانس رأسه بحزن وقال لم افعل شيئا قال له جان كيف ذلك انها عشرين سنة لم تفعل شيئا هل انت جاد
قال هانس سأحكي لك بعد ان ودعتك وهاجرت الى سهول فرنسا عملت هناك راع للاغنام ومزارعا بسيطا كنت اعمل ليلا ونهارا لاحصل على بعض الطعام والمبيت لم يعجبني الامر وقررت العمل بشيئ اخر فوجدت عملا بأجر معقول في جمع تذاكر القطار وهنا بدأت قصتي
تعرفت على فتاة كانت غاية في اللطف والنعومة كانت تعمل معلمة في احدى مدارس تابعة لدار الايتام وكانت تضطر في عطلة نهاية الاسبوع للعودة الى منزلها عند خالتها العجوز لتدبر لها بعض الامور وتعود مرة اخرى الى عملها في المدرسة كنت اراها دائما واتبادل معها اطراف الحديث …كانت ساحرة بكل ماتحمل الكلمة من معنى لبقة مفعمة بالحيوية والسعادة وجهها جميل كقطعة مسروقة من القمر لها وجنتان ناعمتان ووجه بريئ وشعر اسود رقيق قصيرة القامة …مرت الايام ونحن على هذا الحال حتى قررت الزواج منها لكنها رفضت هل تعلم لماذا رفضت ..لانها كانت تحب رجلا غيري وتخطط للزواج منه لقد كانت صدمة كبيرة لي ولكن سرعان ماتجاوزتها وتركت العمل وبدأت بعمل جديد ومنذ ذلك اليوم لم افكر ابدا بالزواج …بدات بالاعمال الحرة والتجارة لقد ابتسم لي الحظ وكأن القدر قد ساق تلك الفتاة لتصدمني وابدا بعمل اخر المهم بدات الاموال تزداد بيدي يوما بعد يوم حتى اصبح لدي رأس مال استطيع ان ابدأ به بمشروع خاص بالكامل وحقا لقد نجحت وانا الان من انجح التجار وكم هناك شبان يودون ان اعلمهم فنون التجارة واصولها
ضحك العم جان قائلا كل هذا ولم تفعل شيئا ثم ماذا بعد …رشف قليلا من الشاي وابتسم ابتسامة حزينة وقال لقد ضاقت بي الحياة فانا وحيد لازوجة ولا ولد يؤنس وحدتي هذه ..قاطعة جان قائلا ومن قال لك انهم ان وجدو سيؤنسو وحدتك ؟
هانس متعجبا كيف ذلك ؟
جان : نعم سيكون لكل منهما حياته الخاصة التي سوف تدفعه لتركك في زوايا غرف المنزل وحيدا مع همومك وخوفك عليهم من تقلبات الايام
هانس :معك حق والمال الذي جمعته ما افعل به بعد موتي
جان انه امر بسيط عليك فقط بوصايته للايتام …وقف هانس فجأة وقال نعم نعم احسنت فكرة رائعة ..ترك المكان وركض للخارج مسرعا ناداه جان ايها المتهور تعال اجابه هانس سأعود سأعود
مرت الايام والاشهر والسنوات ثم عاد هانس الى صديقه جان ومعه امرأة عجوز غاية في الوقار مان يمسك بيدها وكأنه يخاف ان تتركه وتهرب
مرحبا ايها البليد هل مازلت هنا … نعم ايها المتهور لقد ولدت بقرتي عجلا جميلا سأعرفك عليه لاحقا
وانت هلا عرفتني على هذه السيدة الجميلة
مدت السيدة يدها وقالت له اسمي كريستي نظر العم جان نظرة المندهش المصدوم قائلا كرستي
ضحكت بنعومة وسألته هل تعرفني
نظر اليه هانس قائلا نعم انها هي والفضل يعود اليك
جان كيف ذلك
هانس عندما ذهبت لمدرسة الايتام لاوصي بثروتي وجدتها مديرة المدرسة وطلبت منها ان تأتي معي لأعرفها على صديق قديم لي احبه جدا
وقررنا الزواج الاسبوع المقبل وكم سأكون سعيدا اذا اتيت لحضور حفلنا
قال جان سأنتظركما هنا بعد الزواج سوف احضر لكما مفاجأة جميلة …وفي الاسبوع المقبل وبعد ان تم عقد الزواج عاد العروسان العجوزان الى مزرعة العم جان وكان قد حضر لهما غرفة وطلب منهما العيش معه واكمال ماتبقى من حياتهما سويا في هذه المزرعة الجميلة وكذلك اوصى العم جان بأملاكه لمدرسة الايتام بعد وفاته
الحب لا يعرف عمرا ..الحب الحقيقي يبقى متقدا للابد
