أغاريد العندليب "رسائل الحب لنشر الحب في ربوع الحياة"
"العندليب: الجمع: عنادلة. طائر مغرد عذب الصوت. يغرد في الصباح وفي اعماق الليل !".
ذات مساء، دعت الأم صغيرها العندليب "نودي"، وطلبت منه أن يُنصت إليها حيث قالت له:
ـ عزيزى "نودي". لقد درّبتك على فنون الطيران، وعرّفتك أماكن الحَب والماء. من الغد ستعتمد على نفسك.
وهتف "لولو" في فرحة:
ـ يا له من خبر سعيد !.
سعدت الأم بتعليق صغيرها، وانتهزت الفرصة، وراحت تقدم له الوصايا؛ التي تفيده فى حياته ومستقبل أيامه:
ـ وصيتى إليك: "أن نكون متسامحا، وألا تخاصم أحدا، وأن تكون مُحبّا للخير، وصديقا للجميع". الله معك يا صغيري.
وتمنت له مستقبلا باهرا بإذن الله. وبقدر سرور "نودي"، كان شعوره بالقلق !. وراح يدعو الله أن يُعينه في الاعتماد على نفسه، وما لبث أن نام مبكرا، بينما يهتف في شوق:
ـ متى يأتى الغد ؟!.
استيقظ "نودي" مبكرا، فلم توقظه أمه ذلك الصباح، ووقف بباب العش، هاتفا:
ـ النسيمُ منعش. ما أجمل الصباح !. فلأجرّب الطيران.
هفهف بجناحيه بعيدا عن العش، وجعل يحلق تارة، ويحوم حول الشجرة تارة أخرى، ثم حط فوق غصن، مرددا في سعادة:
ـ نجحت !. نجحت !. لا وقت، فلأسع إلى رزقى.
وينطلق "نودي" يشق الفضاء في أولى رحلاته صائحا:
ـ إلى أماكن الغذااااااااء والماااااااااء.
ويحط في الحقل يلتقط الحَب:
ـ ما أشهى حبوب القمح !.
ويشرب من ماء الغدير:
ـ وما أعذب المياه !.
ويهفهف بجناحيه في سعادة:
ـ وما أحبَّ أن أعتمد على نفسى !. كبرت فعلا يا "نودي" !. وراح يطير هنا وهناك، معبّرا عن فرحته:
ـ يا لسعادتى !. كم أحب الحياة !.
و.. حط في حديقة الورد والزهور، فوق الياسمينة، وجعل يحاور الفراشة:
ـ أنا العندليب "نودي" ، وأنت ؟
ـ انا الفراشة "رفيف".
ـ اسمك لطيف، وأنت رقيقة وجذابة !.
ـ أشكرك. وأنت صوتك جميل للغاية !. قل لى يا "نودي": ما رأيك فى الصداقة ؟.
ـ الصداقة أجمل معنى، وأسمى علاقة.
وعلى مدى الأيام، لم ينس "نودي" نصيحة أمه، وكل يوم يكسب صديقا من الطيور الطيبة. فها هو يداعب البلبل، ويمازح أبا فصادة، ويلهو مع الكناري، وينتهز فرصة وجود الأصدقاء من حوله، ويغني معبّرا عن سعادته:
ـ ما أسعدنى والرفاق من حولى . أحب الصداقة . أحب الرفاق !. الصداقة الصداقة؛ أسمى معنى وأنبل علاقة..
وكم يعجب الرفاق بأنشودة "نودي"، ويعبّر كل عن رأيه:
البلبل: كلمات معبّرة !.
فصادة: وصوت عذب !.
كنارى: وصديق رائع !.
وذات يوم حدث أمر مذهل، إذ يرى "نودي" "فهدًا" يطارد غزالة صغيرة، ظن أنهما يتسابقان، فحلق فوقهما ليتابع السباق، ولكن كانت الغزالة مذعورة. وتأكد أنه لم يكن سباقا، إذ سمع الغزالة تقول في يأس شديد:
ـ لا أمل في النجاة. لقد وقعت !.
تعبت الغزالة واستسلمت، ووقفت تلهث وترتعش من فرط الخوف، وتقول من بين لهاثها:
ـ هاه هاه !. ماذا تريد منّي عزيزي الفهد ؟!.
ـ ستعرفين حالا غزالتي الرائعة. ها ها ها !.
كم ذهل "نودي"، إذ هجم عليها الفهد كالسهم، واختطفها !. وانبرى يقول في تأثر شديد:
ـ ماذا فعلت الغزالة الصغيرة ؟!. وما ذنب أمها المسكينة وإخوتها ؟!
توقف عن حديثه لنفسه، إذ لفت نظره ؛ حمارا وحشيا يتعقب نعامة، ليهتف في رهبة:
ـ يا للكارثة !. الحمار الوحشيّ يتعقب النعامة الطيبة.
انطلق وكأنما أراد أن يحول دون الهجوم عليها، وسمعها تقول في يأس وقنوط:
ـ لا فائدة !. سيلحق بي !.
واستسلمت النعامة، وسرعان ما يهجم عليها، ويختطفها !. لم يتبعهما "نودي"، وإنما آثر التوقف، وجعل يتساءل:
ـ ماذا فعلت النعامة ؟!. وما ذنب صغارها ؟!. و.. من الذي يقوم على تربيتهم، ورعايتهم ؟!.
وفي طريق عودته، رأى أسدا ونمرا يتعاركان، وبالقرب منهما زرافة مستسلمة، وتقول بصوت مرتعش:
ـ دنا أجلي، وحانت نهايتي. ومصيري في جوف الأسد، أو في جوف النمر.
ويؤكد "نودي":
ـ سيأخذها الأقوى. يعني الأسد. يا للهول !.. سأذهب إلى مكان بعيد. لا أحتمل بشاعة المنظر..
ووقف فوق غصن الشجرة:
ـ الجو هنا آمِن، ويبعث على الراحة.
وما لبث أن علته الدهشة:
ـ ما الذي أرى ؟!.
يا للفظاعة !. الظلم على الأرض، والظلم أيضا في الفضاء !،إذ رأى نسرا كبيرا يطارد عصفورا:
ـ إلحقوني !. النجدة!. النجدة !.
ويقول "نودي" في نفسه:
ـ النتيجة معروفة. آه !. ليتني قويّ !. لم كل هذا الظلم ؟. وكيف يعيش الضعفاء، والخطر من حولهم ؟. الخوف. الخوف !. من اليوم: لا لعب ولا لهو. ولا فرحة !.
وينساب صوت "نودي" معبّرا عن أحزانه والرفاق من حوله:
ـ الظلم حرام. حرااام. حرااام !.
ولا يتوقف "نودي" عن أغاريده المعبّرة، فيغني للفهد والنعامة والنسر:
ـ مسكينة أم الغزالة الصغيرة !. ما ذنب صغار النعامة ؟. ماذا فعل عصفور الكناري ؟.
ويواصل "نودي" الأغاني، والأسد والنمر يُنصتان إليه في اهتمام:
ـ "الخوف هنا وهنا وهناك.. في كل مكان وأوان. يا للأسَى.. الحياة كئيبة بالخوف. الحياة جميلة ومشرقة بالحب".
والحمار الوحشي يتأمل النعامة، ويواصل "نودي":
ـ "الصداقة أسمى معانى الحياة".
وذات صباح رأى "نودي" العجب العُجاب. لم يصدّق عينيه !. ماذا ؟!. الذئب يلهو مع الجدي الصغير:
ـ ماذا أرى ؟!. أكاد ألا أصدّق !.
والثعلب يداعب الأرنب:
ـ معقول !. هل أحلم ؟!.
والقط يلعب مع الفأر، والحدأة تمازح الأفراخ:
ـ سبحان مغيّر الأحوال !.
كان لأغاريد "نودي" تأثيرا وسحرا على الوحوش، لترقّ قلوبها ومشاعرها. وكم.. كم يصعب وصف أحاسيس "نودي":
ـ يكاد قلبي يطير من فرط السعادة !.. لو كنتُ بشرا لتساقطت من عينيّ دموع الفرحة غزارا !.
والفراشة "رفيف" ترفرف من حوله فى سعادة، قائلة في صدق:
ـ أهنئك عزيزى "نودي" الفنان، وأحييك من كل قلبي. بفضلك زال الخوف وحلّ الأمان.
ـ أشكرك صديقتي الرقيقة "رفيف" الجميلة !.
ويطوّق الأصدقاء عنق "نودي" بعقد الفل، وتهتف "رفيف" والفراشات:
ـ مرحبا "نودي": بطل الأمن والأمان.
وتهتف الزهــور:
ـ مرحى "نودي": رائد المحبة والوئام.
يا له من منظر جميل !. الزهور والورود المبتسمة والضاحكة، والفراشات تطير من حوله. ويلتقى "نودي" أمه، ويقول لها:
ـ أمي الحبيبة. الدنيا كلها وطني. أسألك الرحيل، لأنشر الحب في مكان جديد في أرض الله الواسعة.
ـ انطلق. تصحبك السلامة يا حبيبى !. الله معك يا "نودي"ولتعد سالما غانما!
ويمرق "نودي" في الفضاء، ولم تدعه عينا أمه حتى اختفى في الأفق و.. ولكنه قابع فى قلبها، وفي قلوب الجميع !.
ويسأل المعلم:
ـ أذكر أسماء ثلاثة من الطيور المغردة ؟
تمت
حمدى عمارة
