طيف امرأة في ليالي الشتاء، خاطرة عن المطر والحياة بقلم أسماء صلاح أبو خلف
هذا الصباح يحمل معه رائحة الشتاء
تداعب أنفي رائحة الندى، وتحيط بي نسمات هواء باردة، أغلقت المروحة، فتحت نافذتي ورحبت بها، واستنشقت عبير الشعور.
لم يكن مطرًا، لكنها رائحة الرياح محملة به تأتيني، تذكرني بزمن بعيد، أسمع فيه صدى ضحكاتي، وألمح طيف لطفلة صغيرة ترتدي زيها المدرسي تسير وسط الشارع لا يحميها ساتر من مطرٍ شديد، ينظر لها الناس المحتمون على الأرصفة بتعجب، ينادون عليها لتقف قربهم حتى يهدأ المطر وتجف قطرات الندى، لكنها تبتسم بإباء وتسير وكأنها الوحيدة التي تستطيع السير.
تستمع بكل قطرة تسقط على وجهها تفتح يديها وتنظر للسماء، حين تلاحظ خلو الشارع من الناس تدور حول نفسها، تفتح ذراعيها تستقبل فصلها المفضل بحب، ثم تتذكر أنها تأخرت عن مدرستها، تسير مسرعة تقابل صديقتها، يبتسمان وتتحول ابتسامتهما لضحكات يشاركان بعضهما حبهما للمطر، تذهب لبيتها بعد يوم طويل، متعبة أصابها زكام شديد، تلتحف بالأغطية، لكنها تبتسم.
يختفي الطيف، ويظهر آخر لمراهقة في الرابعة عشر من عمرها، أمامها شاشة حاسوب، تنظر للمطر عبر النافذة قربها كوب قهوة، تدون خواطرها، تكتب عن حب تنتظره، وحياة تحلم بها، عن قصة حب عظيمة بين شاب وفتاة بدأت في ديسمبر.
يختفي الطيف مرة أخرى، ويظهر آخر لفتاة تنظر للسماء بألم، تسيل دموعها على وجتيها بينما يظنها الناظر مطر! لكن عينينها التي تحمل خبيات أملها، ودمار أحلامها، تملؤها الدموع، تخبرك بانكسار حل بروحها، بخذلانٍ لم تتوقعه.
ترتجف وحيدة كانت، وكأن السماء تشاركها حزنها فيزداد المطر
تبتسم لها بألم وتودعها، تغلق بابها وتحتضن روحها، تبكي خلف وسادتها بصمت..
يختفي طيفها الحزين ، ويظهر آخر لامرأة تبتسم بخجل لرجل يقدم لها خاتمًا كانت تنتظره، تقبله منه فيمسك يدها بين يديه، تشعر بدفء كفه، وصلابتها تداعب قلبها مشاعر متدفقة تتذوق حلاوتها لأول مرة، يهمس في أذنها بكلمة فتبتسم، تنظر له كأنه حلمها المنتظر، وأملها الجديد، يفتح لها بابًا يخبرها أنها بمملكة جديدة، تخصها هي وحدها، تكون هي ملكتها، وهو الملك على عرش قلبها.
يختفي طيفهما، بينما يظهر غيره لامرأة تقف في شرفتها، تنظر للبحر بينما يتساقط عليه المطر، تحرك شفتيها وكأنها تدعو، تلمئ الدموع عينيها، لكنها دموع رجاء وتمني لا حزن، عيون يملؤها الأمل بغد جديد بينما تضع يدها على بطنها، وتتمنى لو تشاركها روحًا غير روحها المطر..
يظهر طيف جديد لامرأة وطفلة صغيرة، تضمها إليها ويضحكان بمرح بينما ينظران لسماء ملبدة بالغيوم، يتساقط منها قطرات المطر، فتسألها طفلتها ذات الثلاثة أعوام " ماما مين اللي فتح الحنفية في السما وسابها!'
فتنفجر المرأة ضاحكة بصوت يتردد صداه في السماء فوقهما، تشاركها طفلتها الضحك رغم أنها لا تفهم لمَّ تضحك أمها.. تحتضنها والدتها وتهدأ ضحكاتها وتحدثها عن خالق السماء والرياح المحملة بالمطر.
وهناك في البعيد طيف لامرأة تنتظر شتاءً جديدًا، تحمل به طفلة بين ذراعيها وتتشبث بثوبها أخرى فتبتسم لها بحب، وزوجًا يحتضنهم جميعًا بجسده وقلبه، ويراعهم بروحه، تشير الرضيعة بإصبعها الصغير للسماء فينظرون نحوها مبتسمين لأول قطرات المطر..
تلك خاطرتنا اليوم عن ليالي الشتاء أخبرونا إن لمست شيء في قلوبكم.. وولا تنسوا متابعتـنـا للمزيد من الحكايات والخواطر المؤثرة.
ويمكنكم قراءة قصة قصيرة لامرأة أخرى (انتحار علني) من هـنـا