في ظلال الليل
"في ظلال الليل"
كان يوسف يعيش في قرية صغيرة هادئة، محاطة بالغابات الكثيفة التي تخفي في طياتها أسرارًا قديمة. لم يكن يوسف يصدق القصص المرعبة التي يتناقلها سكان القرية عن غابة "الليل الأبدي"، حيث يقال إنها موطن للأرواح الهائمة والكائنات الشيطانية. لكن فضوله لم يتركه يعيش بسلام. في إحدى الليالي، قرر يوسف أن يكتشف الحقيقة بنفسه.
تسلل يوسف إلى الغابة تحت جنح الظلام، حاملاً مصباحه اليدوي وبعض المؤن. كانت الأشجار العالية تحجب ضوء القمر، مما جعل الظلام يبدو كثيفًا وثقيلاً. لم يمضِ وقت طويل حتى بدأ يشعر بأن هناك شيئًا يراقبه. تسارع نبض قلبه لكنه استمر في التقدم، مصممًا على إثبات أن كل تلك القصص ليست سوى خرافات.
بعد مسيرته لبضع ساعات، وصل يوسف إلى كوخ مهجور. كانت أبوابه ونوافذه محطمة، والجدران مغطاة بطبقات من الطحالب. بدا المكان وكأنه لم يمسه أحد منذ عقود. قرر يوسف الدخول رغم توتره الشديد. فتح الباب بصعوبة، وصوت صريره تردد في أرجاء الغابة وكأنه صرخة من الماضي.
داخل الكوخ، كانت الرائحة خانقة، مزيج من العفن والخشب المحترق. على الجدران، كانت هناك نقوش غريبة، أشكال هندسية غير مفهومة ورسوم لكائنات مخيفة. شعر يوسف بقشعريرة تسري في جسده. فجأة، سمع صوت خطوات خلفه. التفت بسرعة، ولكن لم يكن هناك أحد.
واصل يوسف استكشاف الكوخ، حتى وصل إلى غرفة في الخلف. كان هناك كتاب قديم على طاولة متربة. فتح الكتاب بحذر، ووجد أنه يحتوي على نصوص بلغة غريبة ورسومات لأشخاص يؤدون طقوسًا غامضة. وبينما كان يتصفح الصفحات، سمع صوتًا همس في أذنه: "أنت لست وحدك."
جمد يوسف في مكانه، شعر بأنفاس باردة على رقبته. التف بسرعة، ليجد نفسه وجهًا لوجه مع ظل غامض. كانت عيون الظل تتوهج باللون الأحمر، وبدا وكأنها تخترق روحه. حاول يوسف الهروب، لكن قدماه كانتا وكأنهما مغروستان في الأرض. اقترب الظل منه، وهمس بصوت مبحوح: "الليل الأبدي لا يرحم من يتجرأ على دخوله."
بذل يوسف كل ما بوسعه لتحرير نفسه، وبدأ يركض نحو الباب. لكنه كلما اقترب، كان الكوخ يتغير وكأنه في متاهة لا نهائية. بدأ يسمع أصواتًا أخرى، صرخات وآهات تعلو من كل زاوية. أدرك يوسف أنه قد وقع في فخ الغابة الملعونة.
مع مرور الوقت، بدأت قوة يوسف تتضاءل. توقف ليلتقط أنفاسه، حين سمع صوتًا ناعمًا يقول: "اتبعني إذا أردت النجاة." لم يكن لديه خيار سوى أن يثق في هذا الصوت. بدأ يتبع الصوت عبر ممرات الكوخ المتغيرة، حتى وصل إلى باب خلفي. فتح الباب ووجد نفسه خارج الكوخ، أمام درب ضيق يضيئه ضوء خافت من القمر.
ركض يوسف بلا توقف، متجاوزًا الأشجار والأغصان المتشابكة. كان يسمع همسات الظلال تتبعه، لكن الأمل في النجاة كان يدفعه للاستمرار. أخيرًا، رأى ضوءًا في الأفق. كان مدخل القرية.
بمجرد وصوله إلى حدود القرية، تلاشت الأصوات، وعاد الصمت ليخيم على المكان. انهار يوسف على الأرض، لاهثًا ومتعجبًا مما عاشه. عاد إلى بيته، وأغلق الأبواب والنوافذ بإحكام. لم يستطع النوم تلك الليلة، فكلما أغمض عينيه كان يرى تلك العيون الحمراء تحدق فيه.
في صباح اليوم التالي، قص يوسف ما حدث على سكان القرية. لم يصدقه البعض، لكن العجائز الذين يعرفون تاريخ الغابة حذروه من العودة إليها مرة أخرى. لم يحتج يوسف إلى تحذير آخر. أدرك أن هناك أشياء في هذا العالم لا ينبغي العبث بها، وأن فضوله كاد يكلفه حياته.
ومنذ تلك الليلة، تجنب يوسف الاقتراب من غابة "الليل الأبدي"، وعاش بقية حياته حذرًا ومتوجسًا من الظلال التي قد تخفي في طياتها أسرارًا لا يمكن للبشر فهمها.