قصة حبّ على حافة سكين

قصة حبّ على حافة سكين

0 التقيمات

حبٌّ على حافّة سكّين (1)

لمْ يكن يعلمُ أنّ للحياة وجه جميل قبل أن يعرفها، عاش طفولته يتيما محروما من حنان الأم والأب، لا يعرف طعم الخبز الطازج ولا رائحة القهوة صباحا، ولا مواعيد المطر المؤجلة، غابت عنه أشياء كثيرة. مرَّ به العمر إلى مرحلة بات لا يعرف فيها من الحياة غير أمس خالٍ منه، وغد يجهله، ويوم تطول ساعاته بين التجول في غابة ملَّ النظر في أشجارها  اليابسة. 

قبل أن يلتقيها ما كان لقلبه نبض!جسد يابس كان يحويه، روح لا تعرف التحليق، قلب مثقوب منذ ولادته… 

ليس ثمة ما يجعله يمضي لولا انتظاره المتكرر لشروق شمس جديدة، لم يكن يعلم أن النور سيختصر في امرأة خلقت لتكونه ويكونها! 

كان يجلس إلى طاولة خشبية حين اقتربت منه وضعت يدها على جبينه؛

_حرارتك مرتفعة! 

_من أنتِ؟

_جارتك ،أسكن قربك منذ سنة، كنت أراقبك من بعيد وأنت تتسلق الجبل وأنتظرك حتى ترجع كلّ مساء 

_لمَ؟ مالذي يجعلك تراقبينني ؟

اتركيني وشأني… 

نهض ليتركها لكنّه تمايل في مشيته حتى سقط أرضا، تقدمت منه مسرعة 

_ وجهك محمرٌّ، حرارتك مرتفعة!  

سكبت ماءً على وجهه، أفاق محركا رأسه تجاهها 

حدّق بها ثم ابتسم قائلا :

لا أحد يهتم بي غيرك! 

ابتسمت وهي تلامس لحيته بكلّ حنان 

_ أعدك؛ لن أتركك بعد الآن… 

ساعدته على الوقوف ومشيا بطريق حجري يؤدي إلى بيتها، شريط من الأحداث مرّ بخاطره، وشريط آخر يختلف كانت تراه 

يتذكر اليُتمَ والحرمان فتتذكر حبيبا مات وتركها يتيمة، يتذكر الفقر و الخصاصة فتتذكر بذخ والدٍ لم يحترم يوما قراراتها وأمٍّ لم تثق يوما في قدراتها، تذكر كم من العمر ضاع منه ففكرت كم من العمر مازال ينتظر 

توقفت، نظرت إليه وسألته :

أريد معانقتك، هلاّ عانقتني ؟

نظر إليها فإذا بدموع تشبه جدا دموعه على خدّيْها، فتح ذراعيه فارتمت بينهما ضاحكة. 

همس لها :

أي فرح يتسع لنا؟ ليس هناك ما يمنعنا من الحياة، دعينا نشعر بطعم الشمس لأول مرة وهي تخترق جلد اليأس فينا، دعينا نمتطي صهوة الضحك كل صباح، ونقطف الورد من شرفات العشّاق كل مساء، دعينا يا حبيبتي نشمّ ريح الياسمين ببياض قلوبنا فيه، ونرمي أشواك الماضي ونرقص، هيا نرقص حبيبتي 

دعيني أراقصك على أنغام عشق لن يتكرر، راقصيني حبيبتي كطفل يتعثر بين حرير خطاكِ، راقصيني كرضيع خلق بلا أمّ لتكوني له أنثاه المتفردة، سوف أسكب نفسي داخلك حتى تكوني  إناء حزني و مشنقة شجني أيّتها العالية في سماء قلبي، عانقيني بشدّة فقبلك ما عرفت العناق، افرشي لي سجاد قلبك وغني، غني لي نشيد فرح يفقدني الذاكرة فأنا الآن ولدتُ، معكِ صعدتُ سلّم الحياة لأتنفس وما كنت قبلك على قيد عشق. 

وضعت خدّها على زغب صدره وهي تتمتم:

هنا وطني، هنا ملجأ أيامي، سأعيش وأموت بين تفاصيلك الدقيقة جدا، كيف لعصفورة أن تغادر قفصا فيه حرّيتها الأوسع،

استمع حبيبي إلى تغاريد العصافير و رفرفة الفراشات فوق رأسيْنا، استمع إلى نهر رجع له خريره، وبحر عادت لأمواجه السفن،كلّ هذا حصل لولادة الحبّ بيننا، سوف أهديك من قلبي نبضه  ومن روحي طيبها ليتشكّل القدر بحُلّته الجديدة على ضفاف يومنا، 

الحبّ أن خلقتَ لتكونني وأكونك أيها العذب جدا 

تقاربت أنفاسها من انفاسه حتى امتزجت فكانت قبلة بجحم كون! 

ألقى الليل ستاره، نامت العصافير، تاهت الفراشات، ذبلت الأزهار،غابت الشمس بألوانها، صمت الجبل، سكتت الغابة بما فيها وقبلة حبّهما الأولى لم تنقطع بعد! 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

2

متابعين

3

متابعهم

7

مقالات مشابة