رواية حب ناقص لم يكتمل ابدا
الجزء الاول (مرحلة الصغر )
اول لقاء
يقول : كان يوما ربيعي جميل كعادتنا جئنا للبلدة لحضور المهرجان السنوي الذي يقام كل عام فرحا بالربيع بعد شتاء طويل و قاسى فهي عادة توارثها اهل القرية منذ القدم كان الهدف الاسمى منها هو جمع القلوب و لم الشمل على مائدة و احدة لان قديما كان الفقر و العوز يسود البلدة لذلك اجتمعوا و اتفقوا على يوم يأتي فيه كل اهل البلدة للساحة العامة و يحضر كل واحد معه ما استطاع طبخه في منزله لكي يتذوق كل منا اكل الاخر و يشبع كل منا الاخر بعد شتاء عرت معظمنا من شدة الجوع و العوز لذلك جعلوا دخول الربيع سببا في وجيها لهذا الغرض و بقي الحال هكذا حتى تطورت العادة و زادت فيها امور اخرى كالرقص و الغناء ...الخ .
نزلنا من الحافلة التي و ضعتنا كالعادة عند مدخل البلدة انا و امي و ابي و حقيبتنا الصغيرة لأنه كان غرضنا حضور الاحتفال و العودة الى المدينة بعد مبيت ليلة اخرى بعد الاحتفال في قصر العائلة الذي كان يبعد 300م من مدخل البلدة ، وصلنا القصر منهكين من التعب لان ابي لم يخبرهم بقدومنا لكي يأتي احد بالسيارة و يقلنا للقصر بعد عناء الطريق الذي دام قرابة 40دقيقة من المدينة توجهنا مباشرة الى الغرفة المعتادة كانت مخصصة لنا فور قدومنا كل مرة نبقى فيها دائما بعد ما سلمنا على اعمامي و عماتي لان عائلتا حسب كلام ابي فيها ثلاث ذكور و ابنتين .
في عمري هذا الخمس سنوات لم اتذكر يوما اني تجولت في ارجاء القصر فقط كنت اندفس في الغرفة و من الغرفة الى المطبخ و من المطبخ الى البهو ثم اعود الى الغرفة منطلقي ، تولد في نفسي فضول ان اتجول جيدا في القصر لاكتشافه و احفظ مداخله و مخارجة و كانت اول وجهة لي مسكن الخدم او المساعدين لان ابي كان يكره كلمة الخدم و يفضل المساعد احسن منها ، قبل وصولي تفجر في اذني بكاء طفل حاد مزعج جدا لم اسمع قبل بكاء كهذا كان يشبه كمن يلعب بآلة الكمنجة رغم انه لا يطاق الا اني توجهت نحوه لكي اعرف ماهية الصوت و مصدره الذي كان يأتي من مهد اطفال في غرفة المساعدين ، وقعت عيني على فتاة لأول مرة ارها و يا ليتي لم اره كان جمالها شيء نادر لا وصف له فقط بقيت سارحا فيه احاول ايجاد وصف مقنع له لكن دون جدوى خفت اذا وصفته في ذهني يبقى باهتا امام الشي الذي سوف اشببه به لذلك اخترت الاستمتاع به فقط ، فور اقترابي من الفتاة هدأ بكائها تماما كأنه لم يحدث شيء اصلا رغم غرابة الوضع الا اني بقيت سارحا فيها تماما وما زاد الامر غرابة انها بادلتني نفس النظرات و بقيت ساكتة .
بعدها لوهلة جاء صوت من خلفي ينادي "مصطفى" ماذا فعلت للفتاة حتى سكتت لأنه ليس من عادتها السكوت من دون سبب؟ شدني الصوت من كتفي مشتتا انتباهي و ادارني نحوه معيدا سؤاله : تكلم ماذا فعلت للبنت ؟
مصطفى: لم افعل شيء فقط وقفت بقربها
خديجة( ام الطفلة و كبيرة الخدم في القصر): حسنا لا عليك ...في الحقيقة شكرا لك ايها المشاغب
مصطفى : هل هي ابنتك ؟؟؟
خديجة حاملة الطفلة و مخرجتا اياها من المهد لتضعها على الارض: نعم
مصطفى محاولا لمس الطفلة : كم عمرها ؟؟؟
خديجة : سنة ...الا ترى انها تحاول المشي؟؟؟و الان اخرج لأني سوف اغير ملابسها لأنها للتو استيقظت
مصطفى متأسفا : حسنا الى اللقاء
ثم يصل مصطفى للباب و يسأل مرة اخرى : ما اسمها؟؟؟
خديجة : زينب ...اسمها زينب
يقول : في قصص الحب فقط اعرف ان المتحابين يلتقون في الدراسة او العمل او صداقة في الحي...الخ لكن لم اسمع يوما عن حب نشأ من الصغر قبل التكلم او النطق حتى , قد يكون كلامي غريبا لكن هذا ما حدث معي حقا او ليس معي فقط حتى زينب بادلتني نفس الشعور ما زاد في الامر حيرة و انبهارا .
خرجت من الغرفة و اتجهت نوح الفناء الصغير الموجود في مسكن المساعدين و جلست على مقعد مثبت تحت شجرة هناك منتظرا اكمال السيدة خديجة عملها لعلي ارى زينب مرة اخرى التي ختم حبي لها بمحرد ان رايتها نقش اسمها في قلبي وعقلي و في كل جوارحي وبدأت بإنشاء احلام مستقبلية عنها رغم ان عقلي لم ينضج بعد و لا اعلم ما يخبئه لنا المستقبل حتى اني لم اكن اعلم ان ما اشعر يقال له الحب من اول نضرة فقد كان هدفي الوحيد و البريء هو اعادة رأيتها من جديد و الشبع منها و التمتع بجمالها رغم كل هذا لم انتبه ابدا الى انها هي كذلك بادلتني نفس الشعور عند رؤيتي لها اول مرة .
بعد وقت معين خرجت السيدة خديجة من الغرفة حاملة معا زينب و تنضر و كأنها تبحث عن شيء مهم ضاع منها الى ان رأتني
خديجة : مصطفى هل ما زلت هنا اذهب و الا قلبت امك المكان عنك
مصطفى و عقله فقط في زينب : هل يمكن ان العب معها
خديجة : نعم لكنها ما زلت صغيرة لا تعرف كيف تلعب لكن يمكنك البقاء معها هيا معي الى المطبخ
لم تكن توصف فرحتي عندما اخبرتني بتلك الفكرة ولم تحملني الارض من شدة الفرح فقد كنت أتمشى بجانبها و عيني و عقلي لزينب لا غير حتى وصلنا للمطبخ و اجلستنا انا و ايها على طاولة الاكل الكبيرة في جانب المطبخ المخصصة ليأكل المساعدين عليها انا على كرسي الطاولة و هي على كرسي الاطفال المصنوع من الخشب صناعة يدوية من اعمال احد عمال القصر كان غرضه مساعدة السيدة خديجة لأنها كانت امرأة كبيرة محترمة من طرف كل سكان وعمال القصر حتى انها كان لها اسم في البلدة كذلك و زينب كانت الابتة الاولى و الاخيرة لها , لا اعلم كيف مرة الوقت حتى جاءت امي تسأل عني لأنها تعلم ان مكاني اما المطبخ او البهو او الغرفة .
امي حفصة بسؤال استغرابي : هل تعرفت على زينب?...اذن وجدت من يأنس وحدتك هنا في القصر? ...هيا بنا انه وقت الغذاء و سف ادخلك الحمام لكي تذهب بعد الغذاء مع ابيك الى الحقل الذي كنت تحلم ان تراه .
مصطفى : لا اريد الذهاب الى الحقل
امي مستغربة : لماذا لطالما كان اكبر احلامك الذهاب الى هناك ?
مصطفى : اريد ان ابقى مع زينب لكي لا تبكي
امي غير مصدقة لما اقول : وتفرط في رؤية الحقل الذي جن جنونك على رؤيته
مصطفى : نعم .
امي في حيرة من امرها : حسنا يا سيد قلبي لك ذلك
بعد الغذاء و الاستحمام مباشرة عدت للمطبخ لكي اسأل على زينب واكمال جلستي معها اخبروني انها بكت و اخذتها امها لغرفتها لكي تسكتها و تعرف ما بها , انطلقت انا ايضا الى غرفتها لعلي اجدها هنا و فعلا وجدتها وطلبت من السيدة خديجة البقاء مع زينب مرة اخرى و كان لي ما طلبت دون ان المسها و ازعجها فقط ابقى بجانبها الى ان تنام او اذا بكت اخبر امها يعني اكون الحارس الشخصي لها فكان هذا عملي مدة الثلاث ايام التي كان مبرمج ان نقضيها مع العائلة في البلدة و قد كانت ام زينب ممتنة من هذا الشيء و اعجبها اني كنت الهي لها ابنتها فقد كانت جد مزعجة لا ترضى بسهولة فكانت تبكي على اتفه شيء وكان بكائها لا يتحمل ابدا حتى عمال القصر كان يقلقهم اما العاملات فانهم لا يستطيعون النوم ابدا بالليل لكن انا كان عندي شيء عادي وكانت امها مستغربة كيف كنت اتحمل ذلك البكاء .
بعد المهرجان الذي لم احضره ذلك اليوم الذي كنت منشغلا عنه بزينب و طلبتها المستحيلة طلبت مني امي الاستعداد لكي نرحل صباحا بعد فطور الصباح مباشرة كان اسوء خبر سمعته حينها حتى ان ام زينب ودت لو ابقى و الهي لها ابنتها لأنها وجدت فيا مستراحا لها و لابنتها , لم يكن احد منا مسرورا بقرار الرحيل الا ابي الذي كان يحس و كانه جالس على الجمر فكل قدوم لنا الى البلدة ابي لا يسر ابدا من البقاء في القصر او بالأحرى في البلدة كلها
في الصباح وبعد تناول وجبة فطور الصباح اخرج المساعدين حقيبتنا الصغيرة و توجهنا الى السيارة بعد ان ودعنا اعمامي و عماتي لأنه ربما نعود يوما ما الى القصر , وانا بدوري هربت لوهلة لكي ارى زينب و لكن دون جدوى فقد كانت تغط في نوم عميق بعد ان ازعجتهم و نكدت عليهم راحتهم طوال الليل و لم تدعهم ينامون , عدت خالي الوفاض منكسر الخاطر مطأطأ الرأس متجها الى السيارة فاتحا الباب راكبا فيها و مغلق الباب بقوة معبرا عن غضبي دون ان اهمس بنت شفة متخذا مكاني في السيارة لكي نعود الى المدينة على متنها بإصرار من عمي رغم عدم قبول ابي للفكرة اصلا .
عدنا الى منزلنا المتواضع القريب من اغلب المرافق العمومية و المتوسط اكبر الاحياء في المدينة بعد غياب دام يومين الذي كان من المتوقع ان يدوم ثلاث ايام لكن لا اعلم سبب هذه العجلة ابدا , فرغم الفرق الكبير بين بيتنا و القصر ورغم الفضول الزائد لي الا اني لم اسأل يوما امي لماذا لا نعيش في البلدة? لماذا بيتنا صغير و متواضع? لماذا لدينا ضيق الرزق? لماذا ليس لي ملابس انيقة مثل ابناء عمي? كل هذه الاسئلة لم تتبادر يوما الى ذهني رغم فضولي الا ان فضولي كان منحسرا في تعلم الاشياء لا في معرفة اخبار لا تسمن و لا تغني من جوع , اذن من نحن و ما الذي يحدث في القصر?.