
الاحباء الملزمون بمهمة الحب
"الأحياء المُلزَمون بمهمة الحب"
[بقلم: رباب إيهاب]
في عالم يزداد صخبًا، تبلّدًا، وتنافسًا على البقاء، بات الحب يبدو كحالة من الترف أو الضعف، لا كقوة. لكنّ البعض لا يزالون هنا، يتحركون ضد التيار، كأنهم جُبلوا على الحب، وكأن وجودهم نفسه مهمة... مهمة لنشر الدفء في قلب عالم متجمد.
هؤلاء هم من نُسميهم: "الأحياء الملزمون بمهمة الحب".
ليسوا ملائكة، وليسوا أبطالاً خارقين. إنهم بشر عاديون، لكن قلوبهم تُشبه الشموع، تذوب لتمنح الآخرين ضوءًا. تجدهم في تفاصيل بسيطة: نظرة حنونة في زحام الحياة، كلمة طيبة وسط مشاجرات الصباح، عناق صامت في لحظة انكسار.
ربما لا يدركون ما يفعلونه، لكنهم يُنقذون أرواحًا دون أن يعلموا.
الحب بالنسبة لهم ليس مجرد علاقة عاطفية، بل طريقة حياة. يرون الألم في عيون الآخرين، ويمدّون أيديهم بدافع لا يستطيعون كبته، كأنهم مخلوقون ليمنحوا الطمأنينة. لا ينتظرون مقابلًا، ولا يسألون عن جدوى ما يفعلونه، لأن قلوبهم لا تعرف الحسابات... فقط تعرف العطاء.
أن تكون "حيًا بمهمة الحب" يعني أن تحمل في قلبك بقايا من الطفولة، ونقاء لا تلوثه الخيبات. أن تنهض كل مرة جُرحت فيها، وتظل تصدّق أن شخصًا ما، في مكانٍ ما، ما زال يستحق أن تُحبّه دون شروط.
لكن المهمة ليست سهلة. في عالم يُكافئ القسوة ويحتفي بالبرود، يصبح الحب تحديًا، وربما مخاطرة. يتعرض هؤلاء الأحياء كثيرًا للخذلان، للتهكم، للتشكيك في نواياهم. البعض يصفهم بـ"الحالمين"، وكأن الحلم تهمة.
ومع ذلك... لا يتوقفون.
لأنهم ببساطة لا يعرفون طريقة أخرى للوجود.
الحب بالنسبة لهم ليس خيارًا، بل هو ما يُبقيهم على قيد الحياة.
يحبّون رغم الألم، يعطون رغم الخسارة، يتمسّكون بالدفء رغم البرد.
قد يظن البعض أن العالم لا يحتاجهم، لكن الحقيقة أنهم أوتاده الخفية. وجودهم يخلق توازنًا لا يُرى بالعين، لكنه يُحسّ في الأرواح.
فإن صادفت أحدهم يومًا، تمسّك به…
ففي عالمٍ يحتضر من فرط الجفاف، الحب لا يُهدى ولايسكت فدائما الحب هو أفضل شئ في الحياة يمنحك الكثير من الجمال والابداع في زمنٍ أصبح فيه البقاء هو الهدف الأول، والنجاة هي المعركة اليومية، يتحول الحب من شعور ناعم إلى مهمة شاقة، ومن حالة تلقائية إلى واجب إنساني.
لم يعد الحب مجرّد رواية حالمة أو أغنية تُشعل القلب، بل أصبح شيئًا يشبه المقاومة، يواجه القسوة، الوحدة، اللامبالاة.
هناك أشخاص، لا نعرف كيف أو لماذا، وُلدوا وفي داخلهم حساسية زائدة للعاطفة. كأن أرواحهم مصممة لتشعر بعمق، لتفهم نظرة صامتة أو تنهيدة عابرة. هؤلاء لا يختارون الحب، بل الحب هو من يختارهم... ويُلزمهم به.
أن تكون من هؤلاء يعني أن تتحرك وسط الناس وأنت ترى ما لا يُقال. أن تحب رغم كل ما تعلمه عن الخذلان. أن تمنح الآخرين فرصة حتى بعد أن خذلك الجميع.
المهمة ليست رومانسية كما تبدو. الحب هنا لا يعني الورود أو الرسائل، بل أن تتحمل، أن تصبر، أن تبقى عندما يرحل الآخرون. أن تقول "أنا هنا" في الوقت الذي يحتاجك فيه شخص لا يستطيع حتى طلب المساعدة.
هؤلاء الأشخاص غالبًا ما يتعبون. يتعرضون للجروح أكثر من غيرهم. يحملون مشاعر الآخرين فوق قلوبهم، ولا يعرفون كيف يتخلصون منها. ومع ذلك، يستمرون في حب الناس، والاهتمام بالتفاصيل، وملاحظة الألم غير المرئي.
الغريب أن المجتمع لا يرحمهم دائمًا. يُتهمون بالمبالغة، بالسذاجة، بالضعف. يُنصحون بأن "يتقوّوا"، بأن "يتوقفوا عن التعلق"، لكن الحقيقة أنهم ليسوا ضعفاء.
إنهم فقط يعيشون بمستوى عالٍ من الإنسانية، في وقت انخفض فيه سقف المشاعر.