مقالات اخري بواسطة Sibeiw Wowj
حين يكتب القلب ما لا يجرؤ اللسان

حين يكتب القلب ما لا يجرؤ اللسان

0 المراجعات

##حين يكتب القلب ما لا يجرؤ اللسان

الحب ليس حكاية تُروى، بل حياة تُعاش. هو تلك المسافة الخفية بين الروح والروح، حيث لا يملك المنطق تفسيرًا، ولا يملك الزمن سلطة. تبدأ القصة دائمًا بلحظة عابرة، نظرة تصادف الأخرى، فيتبدل كل شيء كأن العالم وجد لسبب واحد: أن يلتقي قلبان في منتصف الصدفة.

هي لم تكن تعلم أن ابتسامتها البسيطة ستفتح نافذة جديدة في روحه، وهو لم يكن يدرك أن عينيه ستمنحها شعور الأمان الذي بحثت عنه طويلًا. وبين سؤال صغير وجواب عابر، نسجت الأيام خيوطًا رقيقة من القرب، حتى صارت تفاصيل الحياة بلا معنى من دون وجود الآخر.

لكن الحب الحقيقي ليس زينة كلام ولا وعود عابرة. هو اختبار مستمر، هو صبر حين تثقل الأيام، وتمسك حين تتعب الأكتاف، وإيمان بأن هذا الرابط أعمق من أي عاصفة. ربما لا يكون الطريق مفروشًا بالورود، وربما يمر الاثنان بمحطات شك وصمت وانكسار، لكن عظمة الحب تكمن في قدرته على البقاء، في إعادة تعريف البداية بعد كل نهاية صغيرة.

وفي لحظة صدق، حين ينظران إلى بعضهما بعيون مرهقة وقلوب مثقلة، يدركان أن كل ما مرّ لم يكن عبثًا، بل كان الطريق الذي أوصلهما إلى هذا العمق، إلى هذا الامتزاج الذي لا يعرف الفراق.

الحب ليس أن تجد من يشبهك، بل أن تجد من يكملك. هو أن يكتب قلبك ما لا يجرؤ لسانك على قوله، وأن تجد في صمت الآخر جوابًا يكفي عمرًا كاملًا.

---

مرت سنواتهما مثل فصولٍ متعاقبة؛ ربيعٌ أول تفتحت فيه الأرواح، صيفٌ دافئ امتلأ بالضحكات، خريفٌ هادئ تساقطت فيه بعض الأحلام الصغيرة، وشتاءٌ طويل جلسا فيه متقاربين حول صمتٍ أثقله التعب، لكن دفأه حضور الآخر. كان كل فصل يحمل امتحانه الخاص، لكنهما تعلّما أن الحب ليس في الهروب من العواصف، بل في القدرة على الإمساك باليد ذاتها وسط الرياح.

في أحد الأيام، جلسا معًا على مقعد خشبي قديم في حديقة صغيرة. كانت الأوراق الصفراء تتناثر من حولهما كأنها تكتب رسائل لم تكتمل. قال لها بصوت خافت: "أتعلمين؟ كل ما مررنا به لم يكسرني، بل جعلني أتشبث بك أكثر." ابتسمت، لكنها لم تجب. وضعت يدها فوق يده، وكان ذلك كافيًا ليشعر أن العالم كله التزم الصمت ليمنحهما لحظة من صفاء نادر.

كانا يلتقيان أحيانًا في تفاصيل صغيرة: كوب قهوة يُترك على الطاولة بطريقته المميزة، رسالة قصيرة تصل في منتصف يوم مزدحم، أو نظرة سريعة وسط ضجيج الناس تعني "أنا هنا". لم يكونا بحاجة لاعترافات طويلة، فقد تعلّما أن الحب يتكلم بألف لغة لا تحتاج كلمات.

وحين جاء أصعب اختبار، مرضٌ مفاجئ أنهك جسدها، كان هو هناك، يقرأ لها بصوته الذي أحبت، يضحك ليخفف عنها، يمسح جبينها حين يثقلها التعب. لم يكن بحاجة أن يقول "أحبك" كل يوم، لأنها قرأت الكلمة في صبره، في يقظاته الطويلة قرب سريرها، في عينيه حين يظن أنها نائمة.

وعندما تعافت، جلست أمامه وقالت: "الآن فقط أدركت أن الحب ليس ما يقال، بل ما يُفعل. أنت كتبت أجمل اعترافاتك من دون أن تنطق." كان ينظر إليها وفي داخله امتنان عميق للحياة التي منحته فرصة أن يعيش هذا العمق.

لم تكن قصتهما أسطورة، ولا رواية مثالية. كانت حياة حقيقية، مليئة بالضعف والقوة، بالدموع والابتسامات، بالسقوط والقيام. وهذا ما جعلها عظيمة: أنها لم تكن بحاجة لتجميل، بل كانت صادقة.

وفي نهاية الطريق، حين جلسا متجاورين في شيخوخة هادئة، كان يكفي أن تتلامس أكتافهما بصمت. فذلك الصمت لم يكن فراغًا، بل امتلاءً عمره حياة كاملة. كانا يعرفان أن القلوب التي كتبت ما عجز اللسان عن قوله لا تحتاج لأي وداع.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

2

متابعهم

1

متابعهم

1

مقالات مشابة