
"حين يعانق الغروب"
أول ما قريت رواية "حين يعانق الغروب" حسّيت إني قدام عمل مش بس بيحكي قصة حب عادية، لكن كأنه بيحاول يجاوب على سؤال كبير: هل الحب يقدر يعيش رغم الخوف والتحديات؟ الرواية بتاخدنا لعالم بسيط جدًا، ما فيهوش أبطال خارقين ولا مشاهد مبالغ فيها، لكن مليان لحظات إنسانية قريبة من القلب.
القصة بتبدأ مع "ليلى"، بنت عادية في أواخر العشرينات، شغالة مدرسة في قرية صغيرة. حياتها كانت ماشية بشكل روتيني: مدرسة، بيت، شوية أحلام مؤجلة. لحد ما ظهر "عمر"، شاب راجع من السفر بعد سنين طويلة، كان في الغربة بيدوّر على فرصة حياة جديدة لكنه رجع محمّل بذكريات تقيلة وماضي مليان محاولات فاشلة.
اللقاء الأول بينهم كان بسيط جدًا، وما كانش فيه أي رومانسية تقليدية. شافها وهي بتحاول تساعد طفل صغير في الشارع، ومن وقتها بدأت الحكاية. الكاتب ما استعجلش يخليهم يحبوا بعض فورًا، بالعكس، العلاقة نمت بهدوء. في الأول كان بينهم فضول، بعدين بقى في صدفة وراء صدفة، لحد ما لاقوا نفسهم بيشاركوا تفاصيل صغيرة جدًا زي الاهتمامات، الموسيقى اللي بيحبوها، وحتى مخاوفهم.
اللي عجبني في الرواية إن الرومانسية فيها مش متكلّفة. مفيش كلمات منمّقة زيادة أو لحظات مثالية. الحب اتبنى من مواقف بسيطة: مرة عمر ساعد ليلى وهي متأخرة عن المدرسة، مرة تانية لقاها قاعدة لوحدها عند النهر وابتدى يسمعلها. تفاصيل عادية جدًا، لكن في العادي ده كان في صدق يخليك تحس إنك عايش معاهم.
طبعًا القصة ما كانتش ماشية على خط مستقيم. كان في عقبات كتير: أهل القرية ما كانوا متقبلين فكرة إن ليلى ترتبط بواحد غريب ما يعرفوش عنه حاجة، وكمان ماضي عمر اللي بيرجع يطارده. في فصل كامل مثلًا بيرجع واحد من أصحابه القدامى اللي يعرف أسراره، وده بيهدد كل حاجة بينهم. اللحظة دي من أكتر الحاجات اللي حسّيت إنها قريبة من الواقع، لأن دايمًا الماضي بيحاول يفسد الحاضر.
الجانب اللي خلّى الرواية مختلفة هو إن الكاتب ركّز على المشاعر الداخلية أكتر من الأحداث الكبيرة. يعني وإنت بتقرأ، بتحس إنك سامع صوت تفكير الشخصيات، مخاوفهم، فرحتهم الصغيرة، وحتى لحظات التردد اللي بيمروا بيها. مثلًا ليلى كانت بتسأل نفسها طول الوقت: "هو فعلاً يستحق إني أخاطر عشانه؟" وعمر كان بيفكر: "هل أقدر أفتح قلبي من جديد بعد كل اللي فات؟". الأسئلة دي خليت القصة حقيقية جدًا، لأن أي حد في علاقة مرّ بنفس النوع ده من التردد.
من الناحية الأسلوبية، الرواية مكتوبة بلغة سهلة، مفيهاش جمل معقدة أو استعارات كتير. الحوار بين ليلى وعمر طبيعي جدًا، فيه شد وجذب، ساعات هزار، وساعات صمت تقيل، وده خلّى القارئ يحس إن الشخصيات دي ممكن يكونوا جيرانه أو ناس يعرفهم في الحقيقة.
أما النهاية، فهي ما كانتش خيالية ولا سعيدة مية في المية. الكاتب خلّى النهاية مفتوحة شوية. ليلى قررت تكمل مع عمر رغم كل المخاوف، لكن الرواية ما قالتش إنهم عاشوا "سعداء إلى الأبد". بالعكس، أكدت إن الحب محتاج جهد وصبر، وإن القرار الحقيقي يبدأ بعد ما تنتهي الحكاية المكتوبة.
الجميل في "حين يعانق الغروب" إنها مش مجرد رواية رومانسية، هي كمان رسالة إن التفاصيل الصغيرة هي اللي بتبني العلاقات الكبيرة. مش لازم تكون في قصص أسطورية أو لحظات درامية ضخمة. أوقات كلمة بسيطة، أو حضن وقت الضيق، بيكون أهم من ألف وعد.
أنا شايف إن الرواية دي هتفضل من الأعمال اللي أي قارئ هيلقى فيها جزء من نفسه، سواء كان عاش قصة حب أو لسه بيستناها. لأنها بتفكرنا إن الحب مش بعيد ولا مستحيل، هو ممكن يكون بيبدأ من نظرة عابرة وقت الغروب، وتتحول النظرة لقصة تغير حياة كاملة.