
السماء لا تتسع لنا -الفصل الثالث عشر (الكاتبة علا ابراهيم)
ودخلت أروى، ومنذ أن دخلت وعاد النور، لم تشعر بشيء سوى الضيق والملل. المنزل خالى من كل شيء … لا طعام، لا ملابس، لا شيء سوى العفش الصامت، وكأن الجدران نفسها تراقبها بلا رحمة.
دخلت إلى الحمام وأخذت شاور سريع، لعلّه يغسل عنها التعب الذي التصق بجسدها منذ الصباح. ارتدت نفس الملابس، لا خيار آخر أمامها، ثم ارتمت على الفراش الصلب، وغابت في نومٍ عميق كأنها تهرب من هذا الواقع الجديد، من يومٍ عصيب لم ترَ مثله من قبل.
في المنزل المجاور،
كانت لينا تجلس على الأريكة، تحتضن ابنها أسر، تمسّد على شعره برفق حتى يخلد للنوم.
قال رامي، وهو يتابعها من الطرف الآخر للغرفة:
– بس غريبة يعني… فاروق بيه يتجوز كده، ولا كلمة في الصحافة، ولا أي خبر منتشر؟
لينا ردت بعد لحظة تفكير، عينيها لا تزال على وجه ابنها:
– وكمان البنت… مش باين عليها إنها عروسة جديدة، بس شكلها طيبة أوي… أنا كنت بس حابة أساعدها.
– ملناش دعوة يا لينا، احنا مش قد فاروق القناوي ولا عيلته.
في الصباح،
أشعة الشمس تسللت بخجل من النافذة المتربة، لتمتد ببطء نحو وجه أروى النائم،
استيقظت أروى على صوت جرس الباب يرنّ بإلحاح خافت. نهضت بتثاقل، تمسح النعاس عن عينيها، ثم اتجهت لتفتح…
لتتفاجأ بـ لينا واقفة أمامها، تحمل صغيرها "أسر" على كتفها ووجهها يفيض بابتسامة صباحية رقيقة.
أدخلتها أروى سريعًا،
قالت لينا بلطف:
– معلش… صحيناكي من النوم؟
هزّت أروى رأسها نافية بخفوت:
– لا، أنا أصلًا كنت هصحى.
جلست أروى بإحراج، لا تعلم ما ينبغي عليها فعله… لا يوجد أي مشروب تُقدّمه، لا شاي ولا عصير. المطبخ فارغ، وصاحب هذا المنزل… الذي أخبرتهم أنه زوجها، غير موجود.
ابتلعت ريقها بصمتٍ متردد، وقررت ألا تتكلم كثيرًا.
قالت لينا برقة:
– أنا كنت نازلة النهاردة… فحبيت أعدّي عليكي أشوفك، لو عايزة حاجة أجيبها معاايا.
ترددت أروى للحظات، ثم قالت بتحفظ:
– هو… لو مفيش مانع أروح معاكي؟ عشان عايزة أشتري شوية حاجات.
تذكرت حينها أن حقيبتها ما زالت معها، وبداخلها مبلغ من المال.
– آه طبعًا، أنا أصلًا رايحة السوق.
قالت أروى بفرحة مفاجئة:
– إيه دا! هو في سوق هنا؟
أومأت لينا برأسها بابتسامة هادئة.
أسرعت أروى تقول:
– أنا جاية… يلا!
ودخلت تأخذ حقيبتها، تحت نظرات لينا المتفاجئة من لهفتها، والتى ظنت أنها نسيت حتى أن تبدّل ملابسها… لكن هذا التصرف سهّل على أروى الموقف، ومرّ دون تعليق.
خرجت الاثنتان تتمشيان معًا، قررت أروى أن تذهبا للسوق سيرًا على الأقدام، لتتنفس شيئًا من الحياة.
قالت أروى بسعادة صافية:
– أنا كنت بروح السوق دا كتير أوي… كانت أكتر حاجة بحبها، إني أروح السوق.
لينا نظرت إليها بدهشة حقيقية:
– بجد؟… انتي بتعرفي تطبخي أصلًا يا أروى؟
أجابت أروى بفخر خفي:
– أطبخ بس؟ يا مدام لينا، أنا بعرف أطبخ، وأمسح، وأخيط!
كادت أن تُكمل وتقول إنها كانت في الأصل خادمة، لكن الكلمات علقت في حلقها، وغصة صغيرة انحبست… شعرت وكأن أشعة الشمس، رغم اعتدال الجو، تسلطت مباشرة على وجهها وكشفت كل شيء.
لينا قالت بذهول:
– أصل ما تاخدينيش يعني… فاروق بيه اتعدل جدًا إنه ياخد بنت جدعة وبنت أصول زيك كده… ولا خالته "روما" دي اللي شايفة نفسها… وافقت بقى على الجوازة دي؟
ثم صحّحت كلامها سريعًا، وقد أدركت زلة لسانها:
– أقصد يعني… كانت بتتعامل معاكي حلو؟
لم تعلم أروى ماذا تقول أو كيف ترد، لكن كلماتها خرجت بهدوء، من قلبها قبل عقلها:
– الإنسان مش لازم يكون غني أو يتصنّع عشان يعجب حد… طول ما هو ما عملش حاجة غلط، يبقى محدش له عنده حاجة.
ابتسمت لها لينا بإعجاب صادق.
وفي تلك اللحظة، كانت أروى قد حملت "أسر" عنها لتشترى ما يلزمها، فاحتضنته برفق، وسارت إلى جانب لينا بين بائعي السوق… واحدة تشتري ما يلزمها، والأخرى تشتري ما يجعلها تشعر لأول مرة أنها ليست وحيدة.
السماء لا تتسع لنا

كان فاروق يقود
سيارته، وعقله مشغول، يقرر ما سيفعله اليوم… أن يذهب إلى منزل أروى ليحل الأمر الذي ورّط نفسه فيه.
وفجأة، رنّ هاتفه، يضيء باسم: رمضان.
وبمجرد أن لمح الاسم، تذكر سيدرا. لان فاروق جعل رمضان بخبرة بكل ما يحدث لسيدرا فتح الهاتف بهدوء، ليأتيه صوت رمضان القَلِق:
– فاروق! سيدرا هانم
دلوقتي جابتني على حديقة، واتأخرت، ولما روحت أشوفها… لقيتها واقفة مع واحد، وتقريبًا ماسكة إيده!
الكاتبة : علا ابراهيم