رعب الطريق الجديد
الطريق الجديد
"كريم" قاعد على سريره، بيبص فى الموبايل بملل،والرساله اللي كان مستنيها بقاله اسبوعين ما جتش.
كل الشركات اللى قدم فيها محدش رد، وكل مرة بيقوله:
“هنراجع الاوراق ونتواصل معاك قريب”
بس"قريب" دى عمرها ما جت.
من كام شهر خلص كلية تجارة، وكان فاكر إن الدنيا هتتفتح له، بس كل يوم يعدى، كان ليكتشف إن الشهادة لوحدها مش كفاية.
أبوه متوفى من سنين، وأمه ست بسيطة بتشتغل شغل خفيف فى البيت "حلويات" عشان تصرف عليه وعلى أخته الصغيرة.
هو حاول يشتغل أى حاجه، بس ديما الحظ مش فى صفة.
في يوم وهو راجع من موقف الميكروباص، وقف عند عربية فول جنب الطريق، وهناك شاف واحد من دفعتة الثانوية من زمان ما شافوش من سنين.
“ساهر”
بص له ساهر بدهشة، وبعد سلام وسؤال عن الحال، بدأ الحوار.
كريم: “الدنيا واقفة يا صاحب، لا شغل ولا حاجة، كل يوم بقدم و مفيش رد”
ساهر: “طب اسمع، أنا عندى واحد صاحبى مدير بنزينة على الطريق الصحراوى، بيدور على حد بالليل، شغل بسيط، بس لازم يكون أمين لو عايز تكلمهولك.”
كريم حس كأن ربنا بعت له طوق نجاة.
قال بسرعة:
“أكيد! كلموا دلوقتي.”
ساهر طلع الموبايل وكلمه قدامه، وبعد شوية قال له:
“هو مستنيك بكرة الصبح تروح تتكلم معاه، اسمه الحاج صبحى، البنزينة بعد الكيلو 90، هتلاقيها لوحدها كده فى حتة مقطوعة شوية وعليها يافطه مكتوب عليها الطريق الجديد، بس الشغل مضمون. ”
كريم شكره وراح البيت، وأول مرة من شهور ينام وهو حاسس إن بكرة ممكن يكون أحسن.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تانى يوم الصبح صحى بدرى، لبس هدوم بسيطة بس مضيفة، وركب مواصلتين لحد ما وصل الطريق.
الجو كان حر، والطريق شبه فاضية، والهدوء هناك غريب كأن الدنيا واقفة.
بعد حوالى نص ساعة ماشى، شاف لافتة صغيرة مكتوب عليها:
“بنزينة الصفا - خدمات 24 ساعة”
البنزينة كانت باينة قديمة، فيها كشك صغير عليه ازاز منكسر، ومكان البنزين فيه تراب على الأرض.
وقف قدام الكشك راجل تخين شوية، شعره أبيض ووشه فيه علامات تعب السنين.
ده كان الحاج صبحى.
الحاج صبحى:"أيوه يا ابنى؟ أنت كريم؟"
كريم:"أيوه يا حاج، أنا صاحب ساهر."
الحاج صبحى:"تمام، ساهر قايللى عليك كلام كويس، الشغل هنا سهل بس محتاج التزام، الشفت بتاعك من 11 بالليل ل6 الصبح، هتبقى مع عم محمد أول يوم، تتعلم منه كل حاجة."
كريم هز رأسه بالموافقة، سأل عن المرتب، والراجل قال رقم مقبول.
خد منه بطاقته صورها وقاله ييجى من 11 بالليل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الليل جه، وكريم نزل بدرى شوية. الطريق كان فاضى تماما، إلا من صوت الهوا اللى بيخبط فى لافتة البنزينة.
سلاما الكشك منور بنور خفيف، و أقف عند المضخة راجل عجوز لابس جاكيت قديم.
ده كان عم محمد.
عم محمد بابتسامة باهتة:"إنت كريم الجديد؟"
كريم :"أيوه يا عم محمد."
عم محمد:"ماشى يا ابنى، أول يوم بيبقى تقيل شوية بس بعد كده هتتعود، الشغل سهل، بس أهم حاجة متسيبش الكشك فاضى، اوعى تمشى ورا أى صوت برا البنزينة."
كريم ضحك وقاله:
“يعنى إيه أوعى أمشى ورا أى صوت؟”
عم محمد :"هتعرف بعدين، بس خليك فى مكانك، هنا الليل ليه ناسه."
ضحك كريم على الكلام ومفتكرهوش جد.
قعد مع عم محمد يتكلمون شوية، الراجل كان هادى جداً، ليشرب شاى وباصص الطريق كأنه مستنى حاجة.
قرب الفجر بشوية، عدت عربية نقل كبيرة، وقف السواق يعبى بنزين، ولما خلص، عم محمد خده ناحية الكشك يحاسبه كريم كان بعيد شوية، لكن لاحظ حاجة غريبة…
وش السواق وهو بيبص ناحية عم محمد كان فيه خوف.
مش مجرد قلق، لا، خوف حقيقي.
خلص السواق ومشي بسرعة من غير ما يبص وراه.
كريم سأل عم محمد بعد ما رجع:
“الراجل كان في إيه؟ شكله مرعوب."
عم محمد رد بهدوء: “هو كل اللي بيعدي من هنا كده.”
كريم ابتسم ابتسامة صغيرة، لكن جواه بدأ يحس إن فيه حاجة مش طبيعية.
قبل ما يمشي الصبح، الحاج صبحي جه.
بص له وقال:
“كويس يا كريم، من بكرة هتبقى لوحدك في الشفت ده، عم محمد عنده شغله التاني.”
كريم اتفاجئ: “يعني أنا هفضل هنا لوحدي؟”
الحاج: “آه، متقلقش، الدنيا هنا هادية، محدش بيعدي بعد نص الليل تقريبًا.”
---
كريم رجع البيت وتغدى ونام، بس وهو مغمض عينه، كان سامع في ودنه صوت عم محمد وهو بيقول:
“أوعى تمشي ورا الصوت…”
ابتسم لنفسه وقال:
“يا عم محمد، هو في صوت أصلاً غير الهوا هنا؟”
بس الليلة اللي بعدها، عرف إن الجملة دي كانت جد مش هزار.
---
القواعد
الساعة كانت 11 إلا ربع، والطريق فاضي زي العادة، الهوا البارد بيعدي على وش كريم كأنه بيفتّشه.
كل ما يقرب من البنزينة، يسمع صوت اللافتة وهي بتخبط في العمود المعدن:
“تَك... تَك... تَك...”
صوت ثابت، مزعج، بس مطمِّن في نفس الوقت… لأنه بيقوله إنه وصل.
دخل الكشك، النور ضعيف، وريحة البنزين والصدأ مالية المكان.
قعد على الكرسي وبدأ يراجع في دماغه اللي عم محمد قاله.
الشغل بسيط فعلاً، لكن فكرة إنه يقعد لوحده طول الليل في مكان زي ده…كانت غريبة.
فتح الدرج الصغير اللي في المكتب، ولما شال شوية ورق قديم لقى ورقة مطوية بعناية.
على أولها بخط واضح مكتوب:
“ قواعد الشفت الليلي – ممنوع مخالفتها.”
بدأ يقرأ، وعينه بتتحرك ببطء:
1. متسيبش الكشك بعد الساعة 12، مهما حصل.
2. لو سمعت حد بيناديك باسمك من بره… ما تردش.
3. لو النور فصل، اقعد مكانك، هيرجع لوحده بعد دقيقة.
4. بعد الساعة 3، اقفل المراية اللي على الحيطة بورقة أو قماشة.
5. لو عربية وقفت ومفيش فيها سواق، ما تتحركش، واستنى لحد ما تمشي لوحدها.
6. أي صوت جاي من الناحية الخلفية للبنزينة… تجاهله كأنه مش موجود.
كريم قعد يضحك:
“إيه القواعد العجيبة دي؟ ده أنا في بنزينة ولا في فيلم رعب؟”
بس جواه كان في إحساس غريب…
زي ما يكون المكان نفسه بيبصله، مستني يشوف هيلتزم ولا هيكسر القواعد.
---
الساعة عدّت 12 ونص، الهوا زاد، والهدوء بقى تقيل.
سمع صوت خطوات على الأسفلت بره.
خطوات بطيئة… واحدة… ورا التانية.
وبعدين صوت راجل خشن بينادي:
> “كريــم...”
جسمه اتشنج للحظة.
افتكر القاعدة التانية فورًا.
بس الفضول كان قاتل…
بص من الشباك، مفيش حد.
الطريق فاضي.
رجع قعد مكانه، قلبه بيدق، وقال لنفسه:
“أكيد بيتهيألي… مفيش حد.”
---
الساعة 2:45، النور ضعف شوية، وبعدها طفى تمامًا.
كريم اتجمد مكانه.
افتكر القاعدة التالتة:
> “اقعد مكانك، هيرجع لوحده بعد دقيقة.”
الدقيقة دي كانت أطول من عمره كله.
كل ثانية يعدّها وهو سامع حاجات…
زي همهمة بعيدة، كأن في حد بيتكلم وراه بصوت واطي جدًا.
ولما النور رجع، كان الكشك زي ما هو، بس المراية الصغيرة اللي على الحيطة…
اتغطت بطبقة بخار، وكأن حد نفَس عليها من قريب.
---
بصّ فيها، وشاف انعكاسه… بس مش انعكاسه بالكامل.
وشه باين، لكن في وراه حاجة… حاجة واقفة في الخلفية، شبه ظل طويل ملوش ملامح.
لف بسرعة، مفيش حاجة.
لما رجع بص للمراية تاني، كانت فاضية.
بص على الساعة… 3:02
افتكر القاعدة الرابعة.
جاب ورقة جرنال، وغطي بيها المراية بإيده اللي كانت بتترعش.
---
قعد باقي الليل مش قادر يتحرك، كل شوية يبص على الباب كأنه مستني حاجة تدخل.
ولما الفجر بدأ يأزن، حس إن الهواء بارد أكتر من الطبيعي، كأن المكان كله بيمتص الحرارة.
وقف، خد نفسه بالعافية، وقال بصوت واطي:
“يمكن الليلة الجاية تكون أهدى…”
بس لما راح يقفل الكشك قبل ما يمشي، لاحظ حاجة في آخر الورقة.
سطر مكتوب بخط مختلف، كأنه اتضاف بعدين:
قبل الفجر
تانى يوم : الليل كان أهدى من العادة... بس الهدوء نفسه كان بيخوف.
من أول لحظة دخل فيها الكشك، كان حاسس إن في حاجة مستنياه.
المراية اللي غطاها امبارح، كانت النهارده مستنياه من غير غطا.
الهوا بارد، والنور بيتهز كأنه بيتنفس، وكريم حاسس إن المكان بيبصله.
قعد على الكرسي يحاول يشغل نفسه بأي حاجة، بس عينه كل شوية تروح ناحية المراية، كأنها بتجذبه.
الساعة كانت اتنين ونص، والوقت ما بيعديش.
مد إيده ياخد البراد عشان يعمل شاي، وفجأة البراد اتحرّك لوحده على الطربيزة واتزق شوية ناحية الأرض.
وقف في مكانه، قلبه بيخبط، بيحاول يفسّر اللي حصل…
“يمكن الهوا؟”
بس مفيش هوا، ولا حتى ورقة بتتهز.
رجع البراد مكانه، وسمع صوت خفيف جاي من ورا الكشك…
مش خبط، ولا خطوات…
كان صوت نَفَس، هادي، بس قريب جدًا.
بص ناحية الباب الخلفي، مفيش حد.
رجع بنظره للكشك، بس المراية كانت مِشرَخَة من النص، كأن حد لمسها وهو غايب.
قرب منها ببطء، يمد إيده يشوف إيه اللي حصل، وقف قدام المراية، وفى ظل طويل واقف وراه بص ملقاش حاجه بص للمرايه شاف الظل اللي فيها لسه ثابت، لا بيتحرك ولا بيختفي.
حاول يبلع ريقه بس لسانه ناشف، عينه مش قادرة تسيب الانعكاس.
كل حاجة حواليه ساكتة تمامًا، حتى صوت الهوا اختفى.
مد إيده ببطء ناحية المراية، مجرد إنه يلمس الورقة اللي وقعت،
بس قبل ما يوصل، المراية تشرخت فجأة بصوت حاد، كأنها صرخت.
اتراجع بخطوة، وقبل ما يستوعب، النور رعش وانطفى تاني.
الدنيا بقت ظلمة…
ظلمة كاملة، غير صوت واحد بيقرب منه — صوت خطوات مبلولة على الأرض جوه الكشك.
كل ما يقرب الصوت، الهوا بيبرد أكتر.
“كريــم…”
الصوت جه من جنبه، نفس الصوت اللي سمعه الليلة اللي فاتت.
بس المرة دي كان قريب جدًا، كأنه بيتنفس في ودنه.
صرخ كريم من غير صوت، مسك الكرسي قدامه كأنه سلاح، وفضل ثابت في مكانه.
افتكر القاعدة التانية: ما تردش.
ففضل ساكت، مغمض عينه، بيحاول يتجاهل أي حاجة حواليه.
بس بعد ثواني، سمع حاجة تانية…
صوت عربية بتقف بره.
الطبيعي إنه يفرح إن في حد جه، بس قلبه وقع.
القاعدة الخامسة: لو عربية وقفت ومفيهاش سواق… ما تتحركش.
بص من الشباك بحذر، فعلاً عربية واقفة عند المضخة، النور بتاعها مولّع،
لكن الكرسي فاضي…
والماتور شغال لوحده.
البنزين بدأ يعبي من غير ما حد يلمس الخرطوم.
كريم اتجمد، مش عارف يعمل إيه.
والعربية خلصت، والنور بتاعها اتطفى فجأة، وسابت وراها ريحة حرق خفيفة في الهوا…
---
رجع يقعد على الكرسي وهو بيترعش، بيبص حواليه كأنه محاصر.
كل حاجة بقت تتحرك ببطء…
اللافتة بره بتتهز لوحدها، والمراية طالع منها صوت طقطقة خفيف، كأنها بتتنفس.
الساعة كانت قربت خمسة إلا تلت.
الليل بيخلص، بس الوقت مش ماشي طبيعي.
حس كأن الدقيقة بتعدي في ساعة.
وفجأة، كل الأنوار اشتغلت مع بعض، والنور بقى قوي جدًا لدرجة وجع عينه.
سَمِع صرخة جاية من المراية، صرخة فيها ألف صوت، وكلهم بينادوا:
> “ارجع مكانك… ما تسيبش المكان!”
وقع على الأرض، صوته خرج مبحوح:
“إنتوا مين؟! عايزين إيه؟!”
---
كريم بدأ يبص حواليه، الكشك كله بيلف بيه.
الهواء بيتقل، والبرد يخترق عظمه.
كل الأصوات اختلطت ببعض…
صوت العربية، وصوت الخطوات، وصوت اللافتة، والهمس في ودنه.
قلبه كان هيقف.
قعد على الأرض، ماسك دماغه، بيحاول يفتكر حاجة واحدة منطقية…
لكن مفيش.
كل اللي في دماغه دلوقتي جملة عم محمد:
“أوعى تمشي ورا الصوت…”
---
وبينما هو على وشك يفقد وعيه…
جاء أول صوت للأذان.
“الله أكبر… الله أكبر…”
في لحظة، كل الأصوات سكتت.
الهواء بقى دافئ فجأة.
النور رجع طبيعي.
المراية مفيهاش شروخ.
والعربية اللي كانت بره… اختفت.
كريم قام بالعافية، بص حواليه كأنه بيحلم.
كل حاجة راجعة زي ما كانت أول ليلة.
حتى الورقة اللي فيها القواعد، كانت راجعة مكانها في الدرج، متقفلة زي الأول.
خرج بره، الشمس بدأت تطلع من بعيد.
وقف يتنفس الصبح، بس جواه إحساس غريب…
كأنه الليلة دي حصلت فعلاً، بس الدنيا قررت تمسحها.
---
رجع بيته، أمه سألته:
“مالك يا كريم؟ وشك شاحب.”
قال وهو بيحاول يبتسم:
“مكنتش نايم كويس، الليلة كانت طويلة شوية.”
دخل أوضته، ولما قفل الباب، سمع خبط خفيف على الإزاز…
بص بسرعة، مفيش حد.
بس على الزجاج من بره، كان مكتوب بخط باهت:
“شفت بعينك… ولسه الطريق طويل.”
التحزير
تاني يوم المغرب، كريم كان قاعد في بيته مش عارف ينام ولا ياكل.
كل شوية يسمع صوت اللافتة في دماغه وهي بتخبط، وصوت الهمس اللي ناده باسمه.
قال لنفسه:
“أنا مش هسيبها كده… لازم أرجع وأفهم.”
ركب الميكروباص، والهواء في الطريق كان أهدى من العادة، بس الدنيا مغيمة.
لما وصل، البنزينة كانت منوّرة، واللافتة بتتهز بهدوء.
شاف عم محمد واقف قدام الكشك، بيشرب شاي كأنه مستنيه من بدري.
كريم: “إزيك يا عم محمد، أنا… أنا جيت بدري النهارده.”
عم محمد بابتسامة خفيفة: “عارف إنك هتيجي.”
كريم اتفاجئ: “إزاي؟”
عم محمد: “اللي بيشوف اللي شُفْتُه… لازم يرجع، المكان بيسيبش اللي يعرفه بسهولة.”
كريم سكت، بص للمراية اللي جوه الكشك، المراية كانت جديدة، من غير شرخ ولا بخار.
قعد قصاد عم محمد وقال له بصوت مبحوح:
“اللي حصل ده كان حقيقي؟ ولا أنا كنت بتخيل؟”
عم محمد شافه بعينين فيها تعب السنين وقال بهدوء:
“هو مش مهم إذا كان حقيقي ولا لأ… المهم إنك ما رديتش.”
كريم: “يعني لو كنت رديت؟”
عم محمد: “كنت بقيت واحد منهم… اللي بينادوا بالليل.”
سكت لحظة، وكمّل:
“كل ليلة هنا بيعدي فيها حد جديد، بس مش الكل بيكمل.
المكان ده قديم يا ابني، كان زمان محطة استراحة على طريق الموت.
اللي بيشتغل هنا، لازم يسمع الكلام زي ما هو مكتوب، القواعد دي مش هزار.”
كريم حط إيده على دماغه، صوته واطي:
“طب ليه محدش بيقول الكلام ده من الأول؟”
عم محمد بابتسامة باهتة: “لأن اللي بيتقال ما بيتصدقش، واللي بيصدّق… بيعيش.”
وقف كريم، خد نفس عميق وقال:
“أنا خلص، مش راجع تاني، خلاص كفاية.”
عم محمد بص له وقال آخر جملة بنبرة جادة:
“لو قررت تمشي… متبصش وراك، مهما سمعت، مفهوم؟”
كريم سابه ومشي، الطريق كان ساكت تمامًا، والليل بدأ يزحف من وراه.
كل خطوة بياخدها، كان سامع صدى صوته في الأرض الفاضية.
لما وصل للطريق العمومي، الميكروباص وقف له، وركب.
بص من الشباك ناحية البنزينة، كانت بتصغر في عينه…
بس للحظة، شاف حاجة عند الكشك.
كان عم محمد واقف لوحده، بس وراه ظل طويل جدًا، واقف بنفس الوضعية…
وظله ما كانش بيتحرك حتى مع الهوا.
---
وصل كريم بيته، دخل أوضته، قعد على السرير وهو مرهق.
الهدوء أخيرًا رجع، والليل عادي.
فتح الشباك ياخد نفس، والدنيا كانت هادية بشكل مطمّن.
صوت الأذان البعيد بدأ يعلن الفجر.
ابتسم لأول مرة من أيام وقال لنفسه بهدوء:
“يمكن ربنا كتبلي فرصة تانية.”
قفل الشباك، وغفا على صوته، والراحة رجعت لقلبه.
لكن في آخر لحظة قبل ما ينام، التليفون على الكومودينو وقع لوحده،
وطلع إشعار من رقم مجهول بيقول:
“كويس إنك ما رديتش… بس المرة الجاية، احنا اللي هنرد.”