همسات من الجحيم
"مفتحتوش ليه؟".. السر المرعب اللي ورثته عن جدي
عمرك جربت تفتح حاجة وتتمنى لو الزمن يرجع بيك وتفضل مقفولة للأبد؟ دي مش مجرد جملة سينمائية، ده اللي حصلي بالظبط في ليلة كانت بجد "سودة". الجو بره كان عاصفة وهوا بيصفر بطريقة تخلي شعرك يقف، وأنا كنت قاعد في مكتبة جدي القديمة، وسط ريحة الورق الأصفر والتراب اللي مالي المكان في بيته المهجور.
جدي الله يرحمه كان غاوي يجمع حاجات غريبة، أنتيكات وساعات وبراويز صور لناس شكلها يقلق. وسط الكركبة دي، عيني وقعت على "صندوق خشب" صغير ورا مجموعة كتب قديمة. شكله مكنش مريح أبداً، خشب أسود ونقوش غريبة مرسومة عليه بطريقة توجع العين، ومقفول بقفل نحاس قديم مصدي جداً. معرفش إيه اللي جرالي وقتها، بس حسيت إن الصندوق ده بيناديني، كأنه فيه مغناطيس بيسحبني ليه، وصوت جوه دماغي بيقولي: "افتحني وشوف اللي جوايا.. ده حقك".
جبت مفك وكسرت القفل بصعوبة، ومع كل "تكة" وصوت الخشب وهو بيزيق، قلبي كان بيدق لدرجة إني حاسس إنه هيطلع من صدري. أخيراً الغطاء اتفتح.. وفجأة ريحة "عفن" فظيعة مالت الغرفة، ريحة تشبه ريحة المقابر القديمة. لقيت جوه الصندوق خصلة شعر أسود طويلة مربوطة بخيط دموي، وحتة قماشة بالية عليها رسمة "عين" بلا بؤبؤ بتبصلي بتركيز، والأهم من ده كله، ورقة مكتوبة بخط إيد مهزوز بلغة غريبة ومخيفة.
أول ما لمست الورقة، النور بدأ يترعش في الأوضة بشكل جنوني. الجو اللي كان دافي فجأة بقى تلج، وبدأت أسمع صوت همس.. مش كلام مفهوم، بس صوت زي ما يكون حد بيزحف على الأرض ورايا. بصيت ورايا ملقيتش حاجة، حاولت أقنع نفسي إن ده خيالي، بس فجأة الورقة اللي في إيدي بدأت الحروف اللي عليها تنور بلون أحمر غامق زي الدم، وصوت الهمس قلب لصراخ مكتوم جاي من قلب الصندوق نفسه!
في لمح البصر، شفت خيالات سوداء بتتحرك على الحيطان، وشفت صورة راجل عجوز ملامحه ممسوحة وعينيه بيضا تماماً بيبصلي من الزاوية المظلمة في الأوضة بابتسامة مرعبة. الصندوق بدأ يتهز على التربيزة كأن في "كيان" محبوس جواه وبتحاول تخرج بكل قوتها. غمضت عيني وبدأت أقرأ أي حاجة حافظها من القرآن عشان أطمن نفسي وأطرد الخوف اللي شل حركتي.
لما فتحت عيني بعد لحظات كأنها سنين، الصندوق كان مرمي على الأرض مفتوح، والورقة متقطعة مية حتة. النور رجع طبيعي، بس الغرفة لسه فيها برودة مش مفهومة. اللي عرفته بعدها إنني مكنتش لوحدي.. حسيت بنَفَس بارد جداً على رقبتي، وكأن حد واقف ورايا بالظبط وبيهمس في ودني بصوت يقطّع القلب: "شكراً إنك فكيت السلاسل".
من يومها، أنا سبت البيت ده ومبقتش أروح هناك، بس لحد النهاردة، لما الدنيا بتمطر وبسمع صوت الهوا، بفتكر الهمس ده، وبحس إن "اللي خرج" من الصندوق لسه ماشي ورايا في كل مكان.. الفضول يا جماعة ساعات بيكون تمنه غالي أوي، وأنا دفعت التمن ده من راحة بالي للأبد.