الفصل الثاني القسم الذي لا يرى

الفصل الثاني القسم الذي لا يرى

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

الفصل الثاني:  الطقس الثاني (القسم الذي لا يرى)

 

image about الفصل الثاني القسم الذي لا يرى

 

 

(حينما يُغلق الباب ولا تبقى إلا العتمة)

الليل ما كان مجرد غياب ضوء… كان كيان كامل، حاضر، واعي، وواقف فوق صدر المكان. بعد ما انتهى الطقس الأول، تُرك كارلوس في الممر الحجري الطويل، كأنه داخل معدة كائن قديم يتنفس ببطء. الجدران باردة، لكن الهواء حوله دافئ بشكل مزعج… دافئ لدرجة الشبهة.

الخطوات اللي سمعها خلفه ما كانت بشرية.

كانت مثل احتكاك حجر بحجر… خطوات زاحفة، لكنها ثابتة ومقصودة.

عندما وصل إلى قاعة الطقس الثانية، كان المكان خالياً… إلا من ثلاث شُعل زرقاء ترتفع فوق المذابح الحجرية. وبين الشعل، على الجدار الأمامي، ظهر رمز لم يره من قبل: دائرة سوداء، داخلها عين مفتوحة نصف فتحة، كأنها تتأمل شيئًا لا يريد أحد رؤيته.

قبل أن يسأل أو يفكر، انطفأت إحدى الشعل فجأة.

وبانطفائها، امتلأ المكان بصوت واحد… صوت ثقيل، عميق، وكأنه قادم من قاع الأرض:

“لقد وصل.”

ما كان صوت رجل… ولا امرأة… ولا أي شيء يعرفه.

كان صوت السيد الأعلى.

الرأس الأكبر.

الشبح اللي ما كان أحد يعرف وجهه… ولا عمره… ولا حتى إذا كان حيّ أو مجرد إرادة تتحكم بالجميع.

كارلوس وقف بلا حركة.

لم يعرف هل يجب أن يركع… أم يتكلم… أم يهرب.

لكن جسده اختار الخيار الوحيد المسموح: السكون الكامل.

صوت السيد الأعلى عاد:

"الطقس الأول فتح بابك.

الطقس الثاني يغلقه… إلى الأبد."

ومن العتمة خرج رجلان من المنظمة.

وجهيهما مغطّيان بالأقنعة السوداء، لكن أقناعتهم كانت مختلفة هذه المرّة… عليها خطوط فضية تتقاطع بشكل يشبه صدع زجاجي.

أحدهما يحمل كتابًا بجلد داكن.

والآخر يحمل كأسًا حجريًا فيه سائل يتحرك كأنه حي.

اقترب صاحب الكأس وقال لكارلوس دون أن يرفع رأسه:

“اشرب… فهذا ليس اختيارًا.”

مدّ الكأس.

كارلوس نظر لداخله، فشاهد شيئًا لم يكن من المفترض أن يراه:

انعكاس وجهه… لكن ليس كما يعرفه.

وجهه بلا عيون… وبفم مفتوح على آخره.

قبل أن يفكر مرتين، رفع الرجل الكأس إلى شفتي كارلوس رغماً عنه.

طعم السائل كان مرًّا… ثم حارًا… ثم باردًا حتى الألم.

وما إن نزل إلى أمعائه، حتى أصبح يشعر أن جسده صار أثقل من نفسه.

فجأة، انطفأت الشعلة الثانية.

وظهر من بين الظلام طيف… طيف امرأة.

لم تكن واضحة الملامح، لكن ظل شعرها الطويل كان يتحرك كأنه مغمور تحت الماء.

خطواتها لم تلمس الأرض… كانت تنزلق مثل دخان كثيف.

عيناه لم تستوعبا شكلها، لكن روحه تعرّفت عليها فورًا… كأنها تناديه من زمن بعيد.

اقتربت منه، همست بصوت خافت لا يشبه صوت البشر:

“لم يكن عليك أن تأتي.”

دماغه اهتز.

القلب ضرب ضربة مؤلمة.

كان يريد أن يسأل: من أنتِ؟

لكنه لم يستطع تحريك لسانه.

الرجل صاحب الكتاب فتح صفحاته، وبدأ يتلو كلمات بلغة لم يسمعها كارلوس في أي حضارة، لغة تشبه احتراق المعدن داخل الماء.

مع كل كلمة، كانت ملامح المرأة تتضح أكثر.

وجهها…

عيناها السوداوان التي تخفي آلاف السنين…

والعلامة الصغيرة تحت عينها اليسرى…

العلامة التي لا توجد إلا عندها:

أربــيــلــا.

لكنها كانت مختلفة.

ليست بشرية بالكامل.

ونورها ليس نور رحمة… نور قديم، مثقل بلعنة لا يعرف أحد مصدرها.

عندما التقت نظراتهما، شعرت الأرض بالاهتزاز.

ورفعت أربيلا يدها ببطء، وكأنها تمنعه من السقوط في شيء لا يمكن العودة منه.

لكن صوت السيد الأعلى قطع كل شيء:

"ابتعدي.

فالطقس ليس له… بل لنا."

اختفت فوراً… كأنها لم تكن.

انطفأت الشعلة الثالثة.

وأصبح المكان كله في ظلام كامل…

إلا من دائرة صغيرة من الضوء الأزرق ظهرت تحت قدمي كارلوس، دائرة لم تكن موجودة قبل لحظة.

الصوت العميق عاد:

"قد أُغلق الباب.

وهذا القَسَم… لن يراك أحد تكسره."

الأرض تحته انقسمت نصفين.

ضوء أسود—نعم… أسود—خرج من الشق، وتسلل إلى قدميه، ثم ساقيه، ثم صدره، ثم عيونه.

وكأن روحًا أخرى دخلت فيه.

آخر ما سمعه قبل أن يفقد السيطرة كان:

"من هذا اليوم… لست لك.

أنت لنا."

وبهذا… بدأ الظلام يكتب اسمه الجديد.

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
ali alqatamin تقييم 0 من 5.
المقالات

2

متابعهم

0

متابعهم

1

مقالات مشابة
-
إشعار الخصوصية
تم رصد استخدام VPN/Proxy

يبدو أنك تستخدم VPN أو Proxy. لإظهار الإعلانات ودعم تجربة التصفح الكاملة، من فضلك قم بإيقاف الـVPN/Proxy ثم أعد تحميل الصفحة.