قصة النسر والدجاج
في غابر الأزمان، ثمة رجل كان يعيش وحيدا في كوخ وله مدجنة وحقل صغير، الرجل كان عائدا الى بيته من السوق، بعد أن باع بعضا من خضاره، وإذ هو يمشي في الغابة، صادف أن وجد ذلك النسر المكسور، حاول مساعدة النسر، وعندما رأى النسر طيبة الرجل ارتاح له، وأخبره بقصته، وأنه يحتاج الى بيت يعيش فيه، على الأقل حتى يلتأم جرحه، أخبره الرجل أنه يملك مدجنة، وأن بإمكانه أن يسكن مع الدجاج حتى أجل مسمى، فكر النسر في نفسه، نسر يعيش وسط الدجاج! ضحك على نفسه، لكنه وافق على الأمر فهو بحاجة لذلك البيت، شكر الرجل على استضافته.
وصلا الى البيت، أدخله الرجل المدجنة: "يا أيها الدجاج! معكم ضيف جديد"، لم يفرح الدجاج بالخبر، هم يريدون المدجنة لهم وحدهم، بل في الواقع، كل دجاجة تريد المدجنة لها وحدها، على كل حال، عاش ذلك النسر وسط الدجاج بالفعل، وقد كان كل يوم يحاول التأقلم معهم، أن يأكل كما يأكلوا، أن يتعامل معهم كما يتعاملون مع بعضهم البعض، إلا أن النسر كان فاضلا بالفطرة، هو لا يحمل في قلبه حقد وخبث الدجاج، إنه وفقط يحب التحليق عاليا، بعيدا عن كل خدعة أو فخ، على كل حال عاش النسر طويلا بين الدجاج، ولم يتبقى إلا القليل على التئام جرحه، لكن، نسي الرجل أنه يملك نسرا بين ذلك الدجاج، وفي يوم ما، جاء زائر الى الرجل، أخبره بأنه سيشتري أي كائن يطير بمبلغ يعادل عشرة أضعاف أو ربما مائة ضعف ما حلم به ذاك الرجل يوما! إلا أنه نسي أمر النسر، وبدأ بمحاولة تطوير الدجاج الذي يملكه، متناسيا تماما أمر النسر.
وحالما علم الدجاج بأن الزائر يملك قصرا هائلا يريد أن يربي فيه طائرا، بدأت بمحاولة الطيران، إلا أنها رغم كل محاولاتها لم تنجح، وبذلك فقد بدأت في التفكير في خدعة ما، ووصلت إحدى الدجاجات للخدعة الأمثل، حيث اتفقت مع احدى العناكب على أن ينسج لها خيطا قويا بحيث يمكنها أن تمشي فوقه، وفي نفس الوقت يكون رقيقا بحيث لا يمكن رؤيته، وقد قبل العنكبوت بالأمر مقابل أن تعطيه الدجاجة ريشة من ريشها، وأن تجلب له بعض الحبر، وقد وفرت الدجاجة مطالب العنكبوت في الحال، وكذلك نفذ العنكبوت مطلب الدجاجة، وفي الصباح أخبرت الدجاجة الرجل صاحب الكوخ أنها وأخيرا تمكنت من الطيران! اندهش الرجل في البداية، لكنه كان فرحا جدا بهذا الخبر، ونفذت الدجاجة خطتها بأن قفزت فوق الحبل وبدأت بالسير حوله، محركة في ذلك جناحيها، فظن الرجل أن الدجاجة طارت بالفعل، ورأى النسر ذلك، فأدرك حيلة الدجاجة، لكنه لم ينبه الرجل لها، وضرب بجناحيه فحلق عاليا، وذهب ولم يعد، ولم يرى الرجل رحيله، لأن عينيه كانتا ملتصقتين بتلك الدجاجة طول الوقت.
لكن النقمة تكون نعمة في كثير من الأحيان، فلو أن الرجل انتبه للنسر وتذكر أمره لوضع فخا لبيع النسر لذاك الزائر، فعادة النسر أن يعيش حرا، يعيش أغلب حياته في القمم، ليس في مدجنة، ولا بيت، ولا قصر...
لكن النسر لم يرحل دون شكر الرجل، فهو حتى رغم تجاهله التام له، وإنقاصه من قيمة النسر دون إدراك أو بإدراك منه، فهو لا يزال قد فعل خيرا بإيوائه، مع أن النسر لم يكن بحاجة لبيت بذلك القدر، فهو قادر على أن يتدبر أمره بنفسه، وترك للعنكبوت رسالته، وطلب منه أن يبلغ صاحب الكوخ بشكره له، وقد كان العنكبوت منذ البداية متأثرا بالنسر، فكتب شكر النسر للرجل، كما كتب قصته هذه...