ليتنا نعود لذلك المكان
اليوم خرج الجميع من ديارهم محاولين التأقلم على ذلك الكوكب الذى أجبرتنا الأقدار على المكوث فيه لوقت غير معلوم .. أوقد الرجال الحطب للتدفأة ، وجلسوا حوله ملتصقين ببعضهم من شدة البرودة .. لا أعلم ما سبب برودة الطقس هنا.. للوهلة الأولى إعتقد الجميع بأننا مازلنا لم نعتاد على برودة الطقس هنا ، ولكننا بعد فترة بدأنا نشعر جميعنا بأن البرد بداخلنا نحن وأن تلك الأرض لا تناسبنا .. بدأ الجميع التحدث عن ما حدث منذ اللحظة التى قررت فيها حكومتنا أن تقسمنا بين كوكبين ، وتحدث أحدهم عن طفله الذى أضطر للإبتعاد عنه هو وأمه ، وأنه مازال يتذكر صوته وهو يبكى عندما حانت لحظة الفراق .. والبعض الأخر كاد أن يموت إشتياقآ لعائلته الذين رحلوا عنه .. وبعضهم الأخر تحدث عن اليوم الأول الذى جمعنا هنا ، فلا أحدآ منا يعرف الأخر وكل ما يجمعنا هو أننا جميعآ نتألم بسبب فراق من نحبهم .. وهناك أمهات تركن أبنائهم مجبرين .. إستمعت لقصص بعضهم والبعض الأخر حاولت أن أتجنب سماعهم من شدة الألم الذى يشعرون به .. لا يختلف ألمى عنهم كثيرآ ، فأنا أيضآ اتألم ، وقلبى يؤلمنى فأنا ايضآ تركت أنفاسى معك ورحلت .. وقصتى لا تشبه قصص الأخرين ، فكلآ منهم ترك فردآ او إثنان من عائلته ، أما أنا فتركت عائلتى كلها مجمعة فيك أنت ..
فتلك الأرض التى نعيش عليها الآن هواءها لا يشبه عشقك الذى كنت أتنفسه .. كان لقائنا الأول غير مدبرآ من احدنا ، ولكنه عند إنتهاءه كنت قد أصبحت تفيض من عيناى ، فقد كانت جاذبيتك أقوى من أن أقاومها .. ولكن لقاءنا الثانى كان مدبرآ منى ، فأنا علمت أن قدرى هو أنت ولن تكون لغيرى .. فعندما أخبرنى أحد اصدقاءك عن المكان المفضل لديك ، لم أتخيل أن يكون هذا المكان هو المفضل لدى أيضآ ، ولا أن يكون هو المكان الوحيد الذى شهد على حبى لك .. كنت فى لقاءنا الثانى أكثر وسامة وكأنك ترغم قلبى على عشقى لك فبرغم التفاف الأصدقاء حولنا ، الا أننى لم أرى غير عيناك التى شعرت بأنها تتحدث لى وتخبرنى بما أردته أنت أيضآ وهو أن تكون لى ..
فقد أصبح عشقك أنت سرى الذى لم أخبر به أحدآ ، فمعك كان للجنون لذة لم أشعر بها يومآ .. أتذكر عندما طلبت منى أن أرافقك لإحدى البنايات العالية ، وأنت تعلم كم تخيفنى المرتفعات ، ولكنك أردت أن نصنع لحظات جنونية لا ننساها ، فقد كان خوفى يضحكك كثيرآ ولكنك حاولت طمأنتى وتهدأتى، صعدنا السلم وأنا أتمسك بك كطفلة تخاف فقدان أبيها ، كانت تلك المرة الأولى التى أيقنت بأننى أصبحت أتنفسك أنت ، عندما أمسكت يدى بقوة وجلسنا نتحدث واخبرتنى بأنك تخاف مثلى تمامآ ، تخاف فقدانى وهذا يرعبك أكثر من تلك المرتفعات ، نظرت بعينى متحديآ خوفى .. لنصعد سويآ ونتحدى ذلك الخوف معآ .. بك أنت أسير بلا خوف ، أعلم بأن الحب يصنع ملايين المعجزات ولكنك أثبتت لى ذلك ، وأصبحت أنت كل ما أملك بهذا العالم ..
معك تعلمت لذة الجنون وألم الغيرة .. مازلت أتذكر ذلك اليوم الذى شاهدت فيه صديقتك المهاجرة عندما عادت من سفرها وهى تبادلك السلام بحميمية ، وقتها إشتعل قلبى مثل تلك النيران ، تمنيت لو إستطعت أن أقتلها ولا تلمسك ، كانت المرة الأولى التى أشعر فيها بالغيرة الشديدة عليك ، فأنا لطالما إقتنعت بأنك ملكآ لى ، أنا فقط من يحق لها ان تلمسك .. إقتربت منكما وانا أخفى غضبى بإبتسامة مزيفة ، لكنك شعرت بما أخفيه كعادتك، وحاولت أن تنهى جلستنا سريعآ ونرحل حتى لا يزداد الأمر تعقيدآ .. كم كنت حنونآ عندما حاولت إحتواء غضبى ، وإقناعى بأنك لى وأن لو منحك الله قلبان لكنت أحببتنى بهما .. وانا لم أخبرك يومها بأن عشقى لك تخطى حدود اللامعقول ، فأنت الوحيد القادر على أن يجعل قلبى ينبض لك وحدك .. ويحق لى أن أمتلكك لأتنفس بك ..
فقد أصبحت لى حبيبآ وصديقى وإبنآ أخاف أن أرى بعينيه المآ ..
تذكرت يومآ كنت تغفو بين ذراعي كالأطفال، وتحكى عن طفولتك التى فقدت فيها صديقآ تحبه ، تحدثت لساعات عن قصصآ كثيرة لا أحد يعرفها غيرى حتى غفوت ، كنت أتأمل ملامحك ، أتأملها كثيرا ، ألم تلاحظ اننا أصبحنا نشبه بعضنا كثيرآ ؟ ..ربما لأننا تشاركنا كل شئ فى تلك الحياة ، الألم والسعادة ، وحتى أفكارنا وكأننا أصبحنا قلبآ وروحآ واحدة ..
كنا نتحدث لساعات طوال عن صديقاتك المغتربات وأن اقرب أصدقائك هن فتيات ..
سألتنى العجوز ؛ كيف تحملتى حديثه عن الفتيات؟ .. فأخبرتها بأنك منحتنى من العشق ما جعلنى لا أرى غيرى بعينيك ، ولا مكان لغيرى بقلبك ..
مرت علينا الكثير من المواقف التى كادت أن تفرقنا ، ولكننا كنا نؤمن بأن الحب سيكون قوتنا وسيمنحنا الصمود أمام التحديات ، ولكننى لم أتخيل يومآ أن تكون هناك قوة أكبر من ذلك الحب .. فأنت كنت تعلم بأن الفراق سيحدث ولكنك أخفيت ذلك خوفآ من أن ترى ألمآ يبكينى .. ليتك أخبرتنى بما سيحدث ، ليتك أخبرتنى بأنه ذات يوم سأكون وحيدة بدونك ،
هنا على تلك الأرض يحاول الجميع نسيان ما مضى والتأقلم بدون عائلاتهم ، ويحاول البعض منهم إقناعى بأن الحياة ستستمر حتى لو خسرنا من نحب .. لكنهم لا يعلمون بأن عشقى لك لا بديل له ، وأنك عائلتى الوحيدة .. واننى مازلت على يقين بأن الله سيعيدك لى ، وسيعود لى قلبى مرة أخرى .