رواية بعنوان : أسامةُ بنُ منقذ ... بطل قلعة شيزَر وقاهر الصليبيين.
رواية بعنوان : أسامةُ بنُ منقذ ... بطل قلعة شيزَر وقاهر الصليبيين.
الحلقة الثانية :
✓ أسامة بن منقذ وجها لوجه مع النصراني:
قال عم أسامة : هذا يا ابن أخي الفارس الذي جاء من مدينة أفامية يريد أن يُبصر الذي طَعن "فيليب" الفارس الذي لا يقهر -وهو من أقوى الفرسان عندهم- فإن الإفرنج تعجبوا من تلك الطعنة، وتساءلوا عن شكل وهيئة من تجرأ عليه.
قال أسامة : أجل أنا طعنتُه ، وماذا تريدون منه وقد شبع الموت منه ؟ ضحك الإفرنجي وقال : إنه لم يمت، وطعنتُك قد اخترقت درعه السميك وسلِم هو ...
وذاك الفارس الإفرنجي ينظر إلى أسامة في تعجب شديد، وهو يحدث نفسه كيف لمثل هذا الفتى الذي بلغ حديثا الخامسة عشر من عمره أن يطعن فيليب ... كيف لجسم ضئيل كهذا أن يطعن أقوى فارس عندنا، إن مثل هذه الطعنة لا يتقنها إلا من تمرّس على القتال ... أيّ بطل أنت يا أسامة !!!
قاطع أسامة بن منقذ تفكيره وكلامه مع نفسه قائلا في تعجب شديد كيف سلم؟! وأنا قد لاحقته من خلفه أتتََبَّعُه حتى إذا بلغتُه طعنتُه من خلفه طعنة ما ظننتُ أحدا يسلَمُ من مثلِها !!
قال ذلك الفارس الإفرنجي لأسامة : لقد جاءت الطعنة في جلدة خاصرته. فقال أسامة : نعم الأجَلُ حصن حصين. ولكن أسامة قد تعلّم من هذا الموقف درسا مهما جدا في القتال فقال يحدث نفسه : يجب على من وصل إلى الطعن أن يشد يده وذراعه على الرمح إلى جانبه ويدع الفرس يعمل ما يعمله في الطعنة، لأنه متى حرّك يده بالرمح مدَّها به لم يكن لطعنته تأثير ولا نكاية.
ثم قال أسامة: و لقد شاهدت فارساً من رجالنا يقال له بن تليل القشيري وكان من شجعاننا، وقد التقينا نحن والإفرنج وهو مُعَرَّى ما عليه غيرُ ثوبين فطعنَه فارسٌ من الإفرنج في صدره وخرج الرمح من جانبه، فرجع وما نظنه يصل منزله حياً، فقدر الله سبحانه أن سلم وبرأ جرحه بعد عام كامل، ثم زال عنه ما كان يشكوه وعاد إلى تصرفه وركوبه كما كان. فسبحان من نفذت مشيئته في خلقه يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير .
✓ لك البشرى يا عمي ... لك البشرى !
كان والد أسامة بن منقذ أمير شيزر ولكنه تنازل عنها لأخيه أبي العساكر، ولكن أبا العساكر يئس أن يكون له ولد من صلبه يرث الإمارة من بعده، فكان لهذا الأمر أثر بالغ في اهتمامه بأسامة ، فكان يُعلِّمه القتالَ وفنون الحربِ ودَفَعَه وحَثَّه على العلم أكثر، وكان لا يفارقه ...
ولكن ذات يوم تفاجأ الجميع بشيء لم يخطر على بال أحد ... جاء أسامة راكضا بأقصى سرعة إلى ديوان عمه وهو يلهث ...
عمي .. عمي ! لك البشرى ، ولي المكافأة ... إن امرأة عمي وضعت غلاما ذكرا !!
فإذا بعمه ينتصب من مقعده ، ويقول بهدوء :
- اللهم لك المنة والشكر على ما أعطيت، وأنت خير الواهبين.
ثم تذكر ابن أخيه فالتفت إليه ضاحكا وسأله :
- وأنت ، يا أسامة ! هل يروقك ذلك ؟
فأجابه أسامة بذكاء : ولم لا ؟ أمير جديد يضاف إلى أمراء بني منقذ .
سُّرّ عَمُّه بهذا الجواب ، وطلب إليه أن يختار الهدية التي يريدها .
صمت أسامة لحظة .. إنه يفكر ، ثم قال : الهدية التى أريدها .. سيف من سيوفك. ثم تناول عمُّه سيفَه المرصَّع بالذهب ، وقدمه له ، فأخذ أسامةُ السيفَ ، وجعل يقلِّـبه بين يديه ، ثم أعاده إلى عمه قائلا : إن هذا السيف يهينني !!
انتفض عمه غاضبا وقال له :
ويحك ! أعطيتك أعزّ ما عندي من سيوف ، وأنت تأبى ، عجبا لأمرك يا أسامة ماذا تريد ؟! مالا ، أرضا ، قصرا ، أم ماذا ؟! أخبرني بسرعة .. وأسامة ساكت لا يَنبس بِبِنْت شَفَة منتظرا عمه حتى يهدأ من غضبه ويكمل كلامه ثم أجابه بلهجة رضية :
أريد سيفا من حديد ... السيف الذهبي كالسيف الخشبي ، لا يقتل ، ولا يغني صاحبه في القتال .
ضحك عمه لهذا الجواب وقال : ما أبعد طموحك با ابن أخي .. ما سماك أخي أسامة عبثا .. دونك سيف آخر هو صاحبي في الحروب .
أخذ أسامة السيف وقبَّله عمُّه على جبينه قبلة اعتزاز.
✓ أسامة يصطاد الأسود !
خرج أسامة من عند عمِّه وهو فرِحٌ بهديته وبسيفه الجديد ... ينتظر بلهفة شديدة الفرصة السانحة حتى يقاتل به ... وإذ بأبيه يأخذه معه إلى الصيد ومعه أربعون فارسا كل منهم خبير بالصيد ... وبينما هم يوغلون في الجبل ، إذا بصوت ينادي : الأسد ! الأسد !
ترك أسامة والده على عجل ، وركب ، متنكباً رمحه ؛ حتى قابل الأسد ، فحمل عليه ، فاستقبله الأسد ، وهدر وزأر ، فحاص به الحصان ، ووقع الرمح من يده لثِقله وصِغَر سنّه فهو بعد في الخامسة عشر، وطرده الأسد شوطاً بعيداً، ثم رجع الأسد إلى سفح الجبل ، وكلما دنا منه القناصون نزل من الجبل ، وطرد الخيل ، وعاد إلى مكانه، ولكن أسامة فكر وقدّ وحدَّث نفسَه .. هل سأبقى هكذا أتفرج بلا حراك !! فانطلق بأقصى سرعة والتَفّ حول الأسد في سفح الجبل، ثم حدر حصانه عليه، فطعنه فتقلب الأسد وانكسر الرمح ، والوالد واقف ذاهل يرى ابنه الصغير كيف يصنع ، ومعه رجاله يبصرون .
حزّ أسامة رأس الأسد ، وحمله ، ودخل البلد في العشاء ، فإذا جدَّتُه قد جاءته في الليل ، وبين يديها شمعة ، وهي عجوز مسنة قد قاربت من العمر مائة سنة، فلقيها وأراد تقبيل يدها ، لكنها أجفلت منه ، وابتعدت عنه ، فعجب أسامة لأمرها ، وقال :
ماذا بك يا جدتاه ؟! فصرخت به قائلة :
ويحك يا أسامة ! كيف غررت بنفسك ؟ ماذا تحمل ؟
فقال ضاحكاً : رأس كلب من سباع البر .
قالت : ولكنه الأسد
قال : هل يخاف حفيدك الأسد ؟ إن الأسود والكلاب عندي سواء .
قالت : ويلتاه ! يا لك من مغامر صغير ! إني أخشى عليك فتكات الأسود
فأجابها : وهل الحياة إلا مغامرة ؟ لماذا لا تخشين على الأسود من فتكاتي ؟
ضحكت الجدة وقالت : أبى الله لرجال بني منقذ إلا ان ينازلوا الأسود ... كأني بك تحمل إليَّ صورةَ أبيك في صدر شبابه ، إنك لصورة مصغرة عنه ... ثم سألته : وماذا تريد أن تصنع برأس الأسد ؟
أجابها : لقد عاهدت نفسي بأن أقدمه هدية لعمي ، لأنه أول أسد حززت رأسه بسيفه الذي وهبني إياه .
وهنا أجفلت جدته عنه ، وسكنَت حركتُها واتّسعت عيناها وهي خائفة مذعورة .....
سنعرف سبب خوف الجدة على أسامة بن منقذ حفيدها في الحلقة القادمة إن شاء الله …
فكونوا معي أعزائي القراء وأسعد بتوجيهاتكم وانتقاداتكم البنّاءة.