قصة الفتاة المجهولة

قصة الفتاة المجهولة

0 المراجعات

هذة قصة من مجموعة قصص رعب مبنية علي أحداث حقيقية (قصص رعب حقيقية حدثت بالفعل)

 

- نحن الآن نسير وسط المقابر في ساعة متأخرة من الليل -ليل الشتاء الثقيل- برياحه الباردة التي تصم الآذان إلا من خطوات أقدامنا التي تحطم أوراق الشجر الذابلة المتساقطة التي تغطى ذلك الممر الذي نتحسس طريقنا فيه علنا نصل للقبر المنشود, دلفنا ناحية اليمين, يتقدمنا هذا الشيخ العجوز الذي يبحث عن تفسير هو الآخر لما حدث حتي أشار بيدٍ مرتجفة ناحية قبر معين بالتأكيد هو القبر الذي نقصدة.

تصلبنا في مكاننا جميعاً لآن مانراه الآن من الصعب أن يصدقه بشر!

 

- دعونا الآن ننسى أمر ما رأيته في هذة المقابر وسط هذا الجو الذي يثير الخيال -الخيال المرعب بالتأكيد- فلك أن تتخيل نفسك الآن وسط المقابر في ليلة شتاء باردة حالكة الظلام عتية الرياح, من المؤكد أنك ستتوهم أن أحدهم قد مر من أمام عينيك في لمح البصر أو أحدهم يسير خلفك حتي إذا ما إلتفت لن تجد شيئاً سوى نور خافت ينبثق من عمود تعبث الرياح بمصباحه فيصدر صوتاً كالأنين يثير بدورة قشعريرة في الجسد, أو تتوهم سماعك صرير باب قبر ما وكأنه يفتح ببطءٍ.

ستجد نفسك تتسائل هل أزعجنا الأموات بهذه الزيارة؟!

- أخيراً الساعة الآن تعلن أنها الواحدة بعدمنتصف الليل, مما يعني أن عملي قد إنتهي. أعمل كممثل خدمة عملاء في إحدي الشركات الموجودة بالقرية الذكية, عملي يتغير موعده كل إسبوع طبقاً لنظام التدوير أو الـ rotation

في طريق العودة أصطحب بسيارتي صديقي )أحمد( لأنه يسكن في المعادي مثلي -منزله في طريق عودتي- لا أحبذ أن أعود عن طريق المواصلات التي توفرها لنا الشركة لأن ذلك سيجعلني أقضي ساعة أو ساعة ونصف في تلك المواصلات لأن هناك خط سير يتضمن منطقة الهرم أولاً ثم المعادي ولكن بسيارتي الخاصة ليلاً لا أحتاج سوي 20 دقيقة لأجد نفسي أنهب كورنيش المعادي بسيارتي نهباً حتي أصل للمنزل.

في طريق العودة خاصةً بعد مجموعة شركات -لا داعي لذكر الأسماء- تجد مباني قديمة متهالكة متهدم معظمها, لا أعرف لمن تعود ملكيتها؟ كان  الملفت للنظر وجود فتاة تقف بجوار المباني منكمشة علي نفسها وسط هذا الصقيع! لا تشير بيديها إلي أي سيارة تمر علي الطريق وكأنها لا تأبه لأي شئ أخر.

لا أعرف مالذي جعلني أضغط زر الإنتظار ثم توقفت علي جانب الطريق! سألني صديقي مالخطب؟ فأخبرته بأمر تلك الفتاة. فحذرني أنه من الممكن أن نتعرض لسطو أوسرقة, ولكني ظللت أنظر من مرآة السيارة علي الفتاة أتابعها وأضواء السيارات تمر بها كل حين تكشفها قليلاً, واقفة مكانها منكمشة علي نفسها شعرها هائش يتطاير بعضه بفعل الرياح الشديدة.

عدت أدراجي بالسيارة وصديقي يحذرني مما نحن سنقبل عليه ولكنني كنت مصمماً أن أعرف مالأمر. هل تعرف المثل الذي يقول (ساعة القدر يعمي البصر) لقد كنت أسير لقدر ما بخطي ثابتة!

عدت بالسيارة حتي أصبحت الفتاة أمامنا ثم قمت بتبديل ضوء السيارة الأمامي لأعلي إضاءة كي أري ملامح أو أية تفاصيل لتلك الفتاة المجهولة, إقشعر بدني من رؤيتها وتأكدت إن ذلك الشعور الذي نما يداخلي منذ الوهلة الأولي لوقوع نظري علي تلك الفتاة كان صحيحاً.

فتاة في لم تتجاوز الثامنة عشر من عمرها, تعرضت للإختطاف ثم الإعتداء عليها حتي أصبح حالها كما أري, تقف علي قارعة الطريق لا تعلم مالذي يتوجب عليها فعله؟ هل ترمي بنفسها تحت أقدام أي سيارة لتنهي حياتها أم تعود أدراجها لمنزلها لتجد أن حياتها قد تبدلت ليصبح ماحدث لها كابوساً يطاردها ماحييت.

نزلت أنا وصديقي من السيارة متجهين إليها سريعاً كانت تبكي من أعماقها ولكن بكائها أصبح خافتاً وكأن قلبها قد أصابه التعب الشديد من كثرة البكاء والصراخ.

قمت بخلع المعطف الخاص بي لأضعه عليها كي تحتمي فيه من هذا البرد القارص و لكي تستر نفسها أيضا لأن ملابسها أصبحت تكشف أكثر مما تستر, إرتجفت ولكني طمئنتها وطلبت منها أن نساعدها كي تعود لمنزلها سريعاً قبل أن يحدث أي شئ أخر في هذا المكان الشبه خاوي من البشر.

كانت في حالة يرثي لها شاحبة كالموت ذاته, في السيارة لم نسألها بالطبع عما حدث لها فالأمر واضح وضوح الشمس..بعض الكلاب البشرية -واسمحوا لي أن أنعتهم بالكلاب لا الذئاب- قد قاموا بالاعتداء عليها. ليتني ألمح كلب منهم كي أدهسه بالسيارة أو أطلق عليه الرصاص ككلاب الشارع الضالة. عرضنا عليها الذهاب إلي أقرب مستشفى و لكنها فضلت الذهاب للبيت لذا احترمنا رغبتها

تسكن علي أطراف منطقة الهرم في إحدي العزب التي تحيط بها, لم نجد صعوبة حتي وصلنا لمنزلها فالشوارع خاوية في تلك الليلة شديدة البرودة غير أن الساعة الآن تقترب من الثانية بعد منتصف الليل.

إستأذنت أن تصعد للمنزل بالمعطف وسواء كانت استأذنت  أو لا بالطبع لم أكن سأسمح لها أن تصعد بدونه.

أخبرتنا أنها سترسل أباها لنا بهذا المعطف بعد قليل. وقبل أن تشرع في النزول قالت بعد نظرة طويلة داخل السيارة ولكنها كانت تنظر للفراغ : "لو إتأخرت أنا ساكنة في العمارة دي, في الدور الأول, أول بلكونة دي بتاعتنا". وهي تشيرإلي الشرفة بيديها.

قبل أن نسأل عن السبب المحتمل لهذا التأخير الممكن حدوثه كانت قد غادرت السيارة وذهبت في اتجاه المنزل حتى ابتلعها بداخله, انتظرنا لنصف ساعة ولكن لم يظهر أباها حتي بدأت أرتاب في الأمر!

= بقولك إيه؟ أنا حاسس إن في إن في الموضوع؟ البيت ساكت والشارع كمان؟ هي مش المفروض إن البنت دي مخطوفة, يعني أهلها يبقوا صاحيين وقلقانين ومصحيين الجيران وبيدوروا عليها؟ إحنا من ساعة مادخلنا الشارع والدنيا هس وساكته وحتي هي المفروض لما تطلع لأهلها بالشكل ده الدنيا تتقلب, لكن مفيش أي حاجه حصلت!

*أنا كمان يا(أحمد) فكرت في كل ده, قولت يمكن هي بقالها فترة مخطوفة, إنت عارف بيبقي ساعات البنات متغيبين عن البيت بالأيام, بس المفروض إنها فعلاً لما تطلع البيت تحصل حركة النور حتي ينور, لكن ده مفيش خالص؟! تعال ننزل نشوف فيه إيه ممكن تكون خايفة تدخل شقتها أو وقعت علي السلم مثلاً أغمي عليها وهي طالعة؟ لازم ننزل نشوف في إيه؟!

ترجلنا من السيارة قاصدين المنزل, صعدنا درجات السلم إلى أن وصلنا الطابق المقصود.

الطابق به شقة واحدة, لم نقابل الفتاة علي درجات السلم كما إفترضت لذلك يجب أن تكون بداخل هذة الشقة التي أقف أمامها الآن أنا وصديقي طبقاً لما أخبرتنا به! ولكن الغريب أننا لا نشعر بأي مظهر من مظاهر الحياة بالداخل! لا نرى أي ضوء يظهر من نافذة الباب الزجاجية الصغيرة ولم تلتقط أذاننا أي صوت وكأن من بالداخل نيام أو غير موجودين بالمرة. لم أفكر كثيراً لذا قمت بالضغط على الجرس وطرقت الباب بأدب منتظراً الرد حتى سمعنا صوت رجلٌ يتسائل من الداخل عمن يزوه في مثل هذا التوقيت, صوتا ناعساً يدل على أنه كان ينعم بنومٍ هادئٍ في ليلة شتاء باردة.

تبادلت أنا وصديقي النظرات وكأننا نريد أن نستوعب حقيقة الأمر.

فتح لنا رجل كبير السن ونظرات الاستغراب تكسو وجه والتساؤلات تملأ عينه: إنتوا مين؟ وعايزين إيه؟

بالطبع لم نكن نتوقع حدوث ذلك, هل أخطأنا؟ ولكن الفتاة قالت أنها تسكن في الطابق الأول, بل أشارت بيدها لأول شرفة في المنزل.

أعاد الرجل سؤاله مرة أخري فهو لم يلق منا رداً.

=حضرتك إحنا أسفين جداً إننا بنخبط عليك في وقت زي ده! بس هو حضرتك عندك بنت؟

لمعت عينا الرجل للحظة وكأنه تذكر شيئاً ما ثم قال: لا يابني أنا كان عندي بنت بس الله يرحمها بقالها خمس سنين!

سرت قشعريرة في جسدي وتبادلت النظرات سريعاً أنا وصديقي, نظرات تملؤها الدهشة والحيرة والخوف.

= الله يرحمها إحنا أسفين ياحج, طب في حد في البيت ده بنته مخطوفة أو مش لاقينها؟

إندهش الرجل وسأل: في إيه يابني إنت وهو إنتوا جايين لمين بالظبط؟ وعايزين إيه؟

حكينا له ما حدث معنا منذ أن قابلنا تلك الفتاة على الطريق. كان الرجل فاغراً فاهه مندهشاً وكأنه لا يصدق حرفاً مما نقول وبعد أن أنهينا قصتنا ظل الرجل ينظر لنا بإستغراب شديد, ثم فتح الباب وأزاح جسده جانباً وأشار إلي صورة معلقة علي الحائط يسألنا: هي دي البنت اللي بتتكلموا عليها؟

كانت رؤيتنا للصورة لها أثر الصاعقة, لقد كانت الفتاة التي وجدناها علي الطريق بل ركبت السيارة معنا وحدثناها وحدثتنا.

=دي بنتي اللي ماتت من خمس سنين! شوية شباب ولاد حرام ميعرفوش ربنا خطفوها وهي راجعة من الدرس بالليل وطلعوا بيها علي الصحراوي وإعتدوا عليها لحد أما ماتت بين إيديهم والبوليس لقاها في المكان اللي إنتوا بتقولوا إنكم شوفتوها واقفة عنده وبتقولوا إنها ركبت معاكم كمان ووصلتكم لحد هنا؟!

لا أعرف كم مضى علينا ونحن نتناقش بين مكذب ومصدق ولكن كل ما أعرفه أننا لم نصب بالجنون أو الهذيان وإلا أين ذهب المعطف الذي وضعته بيدي عليها؟!

بحثت أنا وصديقي وأباها علي المعطف في المنزل ككل وبداخل السيارة ولكننا لم نجد أي أثر له. لقد أخرج لنا الرجل شهادة الوفاة الخاصة بإبنته كي نتأكد من صحة كلامه بل إستيقظت الأم وشقيق الفتاة بسبب الضوضاء التي حدثت بسببنا وكلهم غير مصدقين لما يحدث, ظللنا نتناقش عن السبب وراء ماحدث والسر ياتري ولكن في النهاية أنا وصديقي قد توصلنا للآتي: الشرطة لم تستطع الوصول إلي الجناه حتي الآن.

الفتاة لاقت حتفها منذ خمس سنوات بالظبط واليوم هو الذكري الخامسة لوفاتها.

= بقول لحضرتك إيه ياحج؟ هي المقابر اللي بنت حضرتك إتدفنت فيها بعيده عن هنا؟

- لا يابني مش بعيده, ده بعد تلات نواصي من هنا؟ بس بتسأل ليه؟

= مش عارف بس نفس الإحساس اللي خلاني أقف بالليل بالعربية لما شوفت بنت حضرتك في مكان زي ده ممكن أتعرض فيه للسرقة فعلاً ومحدش هيحس بيا هو هو نفس الإحساس اللي بيقول جوايا إننا ممكن نلاقي عند قبرها حاجه تحل الموضوع ده ككل, أنا عارف إن اللي بيحصل ده محدش هيصدقه ومش طبيعي أصلاً ممكن حضرتكم تكونوا مش مصدقني ولولا وجود صاحبي معايا كنت هبدأ أشك في نفسي, بس إحنا بالظبط من ساعة واحدة مكناش نعرف حضرتك ولا نعرف أي حاجه عن بنت حضرتك ولا اللي حصل من خمس سنين ليها؟

بعد مناقشة الأمر إتفقنا أن نذهب أنا ووالدها وأخيها وصديقي إلي المقابر. 

ترانا الآن في السيارة -نحن الأربعة- نقصد المقابر في منتصف تلك الليلة فيا لها من ليلة لن تنسي ويا لها من زيارة غير محببة للنفس خاصة في ظروف كهذه.

- كانت المقابر تبدو لنا من بعيد بشواهدها كوحوش رابضة في الظلام تثير الإنقباض في النفس, وها نحن الآن نسير وسط المقابر في ساعة متأخرة من الليل -ليل الشتاء الثقيل- برياحه الباردة التي تصم الآذان إلا من خطوات أقدامنا التي تحطم أوراق الشجر الذابلة المتساقطة التي تغطى ذلك الممر الذي نتحسس طريقنا فيه علنا نصل للقبر المنشود, دلفنا ناحية اليمين, يتقدمنا هذا الشيخ العجوز الذي يبحث عن تفسير هو الآخر لما حدث حتي أشار بيدٍ مرتجفة ناحية قبر معين بالتأكيد هو القبر الذي نقصدة.

تصلبنا في مكاننا جميعاً لآن مانراه الآن من الصعب أن يصدقه بشر!

"معطفي" معلق علي القبر-القبر الذي دفنت فيه الفتاة بالطبع- أعتقد أنكم تشعرون بنفس القشعريرة التي إجتاحت أجسادنا أثناء هذه اللحظات.

تناول الأب المعطف من علي شاهد القبر وهو غير مصدق لما يحدث , لقد كان يشك في أمرنا حتي ذلك الحين, تحسس المعطف ثم إقترب منه وهو يشتمه ليقول أنه يشم رائحة إبنته فيه -طالما حفظها عن ظهر قلب- أخذت منه المعطف وشرعت في التدوير بداخل جيوبه عن أي شيء لكي أجد ورقة مطوية بداخلة مكتوب بخط رفيع يصعب قرائته علي ضوء كشاف الموبايل المسلط عليها "سيد محمد أحمد الشيمي"

أعطيت الورقة للوالد لكي يقرأ مابها فقال لي أن الورقة خاوية لا يجد بها شئ؟ أخبرته بالإسم الذي قرأته عليها ليخبرني أن (سيد) هذا هو سائق توكتوك في المنطقة يعرفوه جيداً لعلاقتهم الطيبة به ولكن إتضح بعد تلك الليلة أن الأمر ليس كذلك فمع فتح التحقيقات إتضح أنه وراء ماحدث للفتاة! بل فعل ذلك مع فتيات أخريات بمشاركة أشخاص أخرين في تلك المنطقة والمناطق المجاورة.

هل هو إنتقام العالم الأخر أم إنتقام الأرواح البريئة للفتايات اللاتي لقين نفس مصير الفتاة التي قابلناها! لا أعلم ولكن ما أعرفه أن ماحدث لي أنا وصديقي تلك الليلة سوف يظل محفوراً في ذاكرتنا ماحيينا.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

articles

2

followers

0

followings

1

مقالات مشابة