بذلة الغوص و الفراشة: الجزء الثامن عشر

بذلة الغوص و الفراشة: الجزء الثامن عشر

0 المراجعات

تابع الستارة 

 

أبادر أخيرا إلى لعب «المشنوق»، الرياضة الوطنية لأقسام السنوات السابعة.

أجد كلمة، فأخرى، ثم أستند على ثالثة. في الواقع لم أكن مهيأ للعب. 

اجتاحتني موجة من الحزن. هو ذا تيوفيل، ابني،
جالساً أمامي بأدب، وجهه على بعد خمسين سنتيمترا عن وجهي، و أنا أبوه لا أملك حتى حقي البسيط في تمرير يدي على شعره الكث،
والإمساك بقفاه الخفيفة كالريشة، وهصر جسده الصغير الناضح نعومة ودفئا.

كيف أقولها له؟ هذا فظيع، هذا جائر، هذا بغيض، أم هذا شنيع؟ فجأة انهرت تماما. جرت دموعي، وانفلتت من حلقي حشرجة أفزعت ثيوفيل.

لا تخف يا صغيري، أحبك.
لبـث في «مشـنقته»، مستكملاً المباراة. حرفان إضافيان، ربح و خسرت.

و في ركن من كراسته أتم رسم المشنقة: الحبل والمشنوق.
أما سيليست فمشغولة بأداء شقلبات على التلة. لست أعلم إن كان علينا أن نعتبر ذلك ضربا من التعويض، ولكن منذ أن غدا
رفعي لجفني نظيرا لحصة رفع أثقال، صارت هي بهلوانا حقيقيا.

تؤدي، وقدماها إلى الحائط، حركة الوقوف على الرأس، وحركة الجسر المقلوب ثم تسترسل في أداء حركة العجلات والقفز إلى الخلف وغيرهما بمرونة قطة، بل إنها وضعت مهنة «البهلوان» ضمن قائمتها الطويلة للمهن التي تعتزم ممارستها في المستقبل ملحقة إياها
بالمعلمة وعارضة الأزياء وبائعة الزهور.
وبعد أن غزت فتاة الاستعراض المتمرسة، بالتفاتاتها على القدم
الواحدة، جمهور النادي الشاطئي، انطلقت في جولة من الغناء زادت
من قنوط ثيوفيل، إذ كان شديد النفور من كل ما يجلب الانتباه.

حتى أنه لفرط انطوائه وخجله المعادلين لانفتاح أخته وشعبيتها، لم
يكبح مشاعر الكره التي أحس بها تجاهي يوم أتاحت لي مدرسته -في
استجابة لطلب كنت تقدمت به- أن أقرع جرس الدخول بنفسي.
لا أظن أحدا بإمكانه أن يتوقع لثيوفيل عيشا سعيدا، فهو في كل
الأحوال سيحيا متخفيا.
أتساءل كيف تمكنت سيليست من أن تشكل قائمة مثل هذه من
أغاني السنوات الستين، جوني هاليداي، سيلفي فارتان، شايلا، کلو
کلو، فرانسواز هاردي... لم يغب نجم واحد من نجوم تلك الحقبة
الذهبية عن التشكيلة. وإلى جانب الأغاني الجماهيرية المعروفة من
الكل، هناك القطع الخالدة مثل قطار ريشارد أنتوني الذي لم يكف
بكل تأكيد عن التصفير في آذاننا طوال ثلاثين سنة. تغني سيليست إبداعات منسية تجر في مسارها غيرات الذكريات.

منذ العهد الذي كنت أضع فيه قرص 45 دورة لكلود فرانسوا بلا كلل على الفونوغراف وأنا ابن اثنتي عشرة سنة، لم أسع للاستماع إلى «مسكينة، الفتاة الصغيرة الغنية» ومع ذلك ما إن تدندنها سيليست، و بها يكفي من الأخطاء على كل حال، حتى تعاودني النغمات الأولى للأزمة، بدقة غير متوقعة.

كل نوتة وكل كوبليه وكل تفصيل للفرقة الموسيقية أو الجوقة، بما في ذلك ترددات الصوت الموشحة للمقدمة. أعاود رؤية غلاف القرص، صورة المغني، قميصه المخطط ذي الياقة المزررة الذي كان يبدو لي غاية لا تدرك إذ أن أمي تعتبره سوقيا.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

170

متابعين

636

متابعهم

119

مقالات مشابة