"منزل الأرواح: رحلة إلى المجهول"
في ليلة مظلمة وعاصفة، كان خالد يقود سيارته على طريق ريفي مهجور. كان عائداً إلى المدينة بعد زيارة لأحد أصدقائه الذي يعيش في قرية نائية. بينما كان يقود، بدأت السيارة تعاني من مشكلة، وسرعان ما توقفت تماماً. حاول خالد تشغيل المحرك عدة مرات، لكن بدون جدوى. اضطر إلى النزول ومحاولة إصلاحها بنفسه، ولكنه أدرك أنه لا يملك الخبرة اللازمة.
بينما كان يتفقد المحرك، لفت انتباهه ضوء خافت ينبعث من بعيد. قرر أن يتوجه نحو هذا الضوء على أمل أن يجد مساعدة. بعد مسافة قصيرة من المشي، وصل إلى منزل قديم يبدو مهجوراً، لكن الضوء كان ينبعث من نافذة في الطابق العلوي.
تردد خالد قليلاً، لكنه كان مضطراً للبحث عن المساعدة. قرع الباب بحذر، ولم يكن يتوقع أن يُفتح. ولكن، بشكل غير متوقع، انفتح الباب ببطء، مصدراً صريراً مخيفاً. نادى خالد بصوت عالٍ: "هل من أحد هنا؟" لكن لم يجب أحد. دفع الباب بحذر ودخل إلى المنزل.
كانت الرائحة العفنة تملأ المكان، والغبار يغطي كل شيء. تقدم بخطوات بطيئة نحو السلالم المؤدية إلى الطابق العلوي حيث رأى الضوء. عندما وصل إلى قمة السلالم، لاحظ أن الضوء ينبعث من غرفة في نهاية الممر. اقترب منها ودفع الباب ببطء. داخل الغرفة، وجد شمعة تشتعل على طاولة صغيرة، وبجانبها دفتر قديم مفتوح.
اقترب خالد من الدفتر وبدأ يقرأ الصفحات. كانت تحتوي على مذكرات شخص عاش في هذا المنزل قبل سنوات عديدة. تحدثت المذكرات عن أشياء غريبة تحدث في المنزل، وعن كائنات غامضة تظهر ليلاً. كانت آخر صفحة في الدفتر تحذر من البقاء في المنزل بعد غروب الشمس.
بينما كان يقرأ، شعر ببرودة غريبة تجتاح الغرفة. سمع صوت خطوات قادمة من الطابق السفلي. بدأ قلبه ينبض بسرعة، وبدأت الرهبة تتسرب إلى أوصاله. قرر أن يغادر المنزل فوراً. ولكن عندما استدار، وجد أن الباب قد أغلق خلفه، ولم يستطع فتحه مهما حاول.
بدأت الأصوات تزداد، وأصبح الصوت أقرب وأقرب. فجأة، انطفأت الشمعة، وعم الظلام الغرفة. شعر خالد بيد باردة تلمس كتفه، فصرخ بأعلى صوته. حاول التخلص من اليد، لكنه لم يستطع. ثم سمع صوت همس في أذنه: “لم يكن يجب أن تأتي إلى هنا.”
في تلك اللحظة، انفتح الباب فجأة وسقط خالد على الأرض خارج الغرفة. ركض بأسرع ما يمكنه نحو السلالم، ولكنه تعثر وسقط إلى الأسفل. عندما نهض، وجد نفسه محاطاً بأشباح ذات وجوه مشوهة. بدأت تتحرك نحوه ببطء، مما زاد من شعوره بالذعر. حاول أن يصرخ، لكن صوته كان محبوساً في حلقه.
بدأ خالد يتراجع ببطء نحو الباب الأمامي، وكلما اقترب من الخروج، ازداد ضغط الأشباح عليه. شعر بأنفاسهم الباردة على رقبته وسمع همساتهم الغامضة تتردد في أذنيه. عندما وصل إلى الباب، اكتشف أنه مغلق بإحكام، وكأن قوة غير مرئية تمنعه من الفتح.
في تلك اللحظة، ظهر ظل ضخم في الزاوية المقابلة للغرفة، وأخذ يتشكل تدريجياً حتى أصبح كياناً مهيباً ومخيفاً. كان الكيان يملك عيوناً حمراء متوهجة ونظرة ثابتة تخترق خالد كالسيف. بدأ الكيان يتحدث بصوت جهوري، قائلاً: “لقد دخلت إلى عالم لا ينبغي أن تكون فيه. الآن، ستبقى هنا إلى الأبد.”
بدأت الأشباح تتجمع حول خالد بشكل دائري، وأحس بأن قدميه تلتصقان بالأرض، وكأنه يغرق في مستنقع من الظلام. بدأت الظلمة تبتلعه ببطء، وعندما شعر بأن لا مفر له، تذكر فجأة الدفتر القديم الذي قرأه. بحث في جيوبه بجنون حتى وجد صفحة ممزقة كان قد احتفظ بها دون أن يدرك.
أخرج الصفحة وقرأ الكلمات المكتوبة عليها بصوت مرتعش: "يا أرواح الظلام، أناشدكم أن تعودوا إلى عالمكم وتتركوا هذا المكان." تردد الصوت في أرجاء الغرفة، وبدأت الأشباح تتلاشى تدريجياً، وكأن الضوء الذي انبثق من الكلمات يحرقها.
في لحظة خاطفة، اختفى الكيان الضخم، وانفتحت الأبواب فجأة، مما أتاح لخالد الفرصة للهروب. ركض خارج المنزل بأقصى سرعة، ولم يتوقف حتى وصل إلى سيارته. عندما نظر خلفه، رأى المنزل ينهار تدريجياً، وكأنه لم يكن موجوداً من الأساس.
ركب خالد سيارته وأدار المحرك، فوجده يعمل بلا مشاكل. انطلق بسرعة نحو المدينة، وعندما وصل إلى بيته، أغلق الباب خلفه وتنفس الصعداء. جلس على كرسيه وأخذ يفكر فيما حدث، متسائلاً عما إذا كان كل ذلك حقيقة أم مجرد كابوس. لكنه أدرك أن الدفتر والصفحة التي احتفظ بها هما دليل على الحقيقة المرعبة التي عاشها.
منذ تلك الليلة، تجنب خالد القيادة على الطرق الريفية ليلاً، واحتفظ بالصفحة كتحذير دائم من المخاطر التي قد يواجهها الإنسان إذا ما تجاوز الحدود المجهولة. كانت تجربة لا تنسى، جعلته يدرك أن هناك عوالم خفية لا ينبغي للإنسان الاقتراب منها.
وبينما كانت الحياة تعود إلى طبيعتها تدريجياً، لم ينس خالد تلك اللحظات المرعبة، بل أصبحت جزءاً من ذاكرته، تذكره دائماً بأن هناك أشياء في هذا العالم لا يمكن تفسيرها، وأن الفضول قد يقود أحياناً إلى أماكن مظلمة لا يمكن العودة منها بسهولة.