عيون من الجحيم

عيون من الجحيم

0 المراجعات

جسد هزيل كأنه قد خرج من رحم مجاعة يتمدد فوق سرير غرفة العمليات ،عجوز شاحبة تُشفق على عينيها الغائرة،تلتفت حسناء حولها فى رعب فهى تشعر أن ذلك الجسد يتحدث إليها ..شىء ما يصدر من فم تلك العجوز..لكنها لا تجد من يهتم ..كل من حولها منهمكون فى الجراحة الغريبة..هى تعلم يقيناً أن تلك الجراحة لم تكن على جدول اليوم..لا أحد يعرف من أين ولا كيف جاءت إلى هذا المكان..فقد وجدوها على سرير غرفة العمليات ولا أحد يعرف غير ذلك..شعرت حسناء بيد تلك العجوز تمسك بيدها بقوة ..سحبت يدها بسرعة صارخة فالمرأة تحت تأثير المخدر فكيف تغعل ذلك؟! ولكن الاغرب هى نظرات من حولها فقد تعجبوا من تصرف حسناء حيث أكدوا ان المرأة فاقدة للوعى ولم تتحرك..ا ستأذنت حسناء وغادرت الغرفة مُسرعة مُقررة الذهاب للبيت ظناً منها أنها مُتعبة فقط وأن هذه تهيئات، فتحت خزانتها لتلتقط ملابسها لكنها تسمرت مكانها وهربت الدماء من عرقها..نفس الوجه النحيل الغامض هو ما تراه فى مرآة الخزانة..لم تجد وجهها بل ذلك الوجه الشاحب والعينان الغائرتان اللتان يسحبان روحها بالنظر إليها،صرخت هاربة من الغرفة تعبر ردهة المشفى كأنها تفر من الموت وعندما وصلت للباب كانت ماتزال ترتدى ملابس المشفى والرعب هو ما يعلو وجهها وقبل أن تخطو للخارج وجدت إحدى زميلاتها تنادى عليها قائلة:

أعلمت بما حدث للعجوز أثناء الجراحة؟

-لا ..لم أعلم ولا أريد ان أعرف عنها.

-لقد ماتت بعد خروجك من غرفة العمليات ولكن العجيب هو إختفاء الجثة بشكل عجيب.

-اختفت!

-نعم ..لم نجها نهائياً وعندما بحثنا فى كاميرات المراقبة لم نجد شيئاً..لا شىء كل الكاميرات مُعطلة فى نفس الوقت ..لم نصل لشىء.

لم تعقب “حسناء”بل اتجهت بسرعة نحو قطار الأنفاق لكنها عندما نزلت لم تجد قطاراً ولا أنفاقاً بل وجدت نفسها تنزل لأسفل وبسرعة كانها تسير داخل صاروخ لكنه للأسفل لا للاعلى ..ظلت تهوى صارخة حتى وصلت لساحة واسعى غريبة الالوان كأنها صُنعت من أجساد شبه بشرية ..هياكل تتراص بجوار بعضها تكون دائرة من الرعب وعدد من الحيوانات ..لا من البشر..بل خليط بين الاثنين..رؤس حيوانات وأجساد بشرية بها بعض القزامة..عيون غائرة مثل بئر سحيق ودموع غزيرة تذرفها طيور تقف على رءوس تلك الهياكل البشرية..حرارة غريبة كأنهم يقفون فوق قمة بركان.زرائحة نتنة لا يمكنك تخيل مدى شدتها..مزيج من كل شىء ليس جيدًا ..وقفت حسناء صارخة تدور حول نفسها لكنها لم تسمع لنفسها صوتاً كأن طبيعة الهواء هنا له قانونه الخاص..هى تسمع الأصوات لكنها لا تقدر على إخراجها..وقبل أن تفهم ما يجرى وجدت من يمسك بيدها..نفس الجثة البشعة..نفس الملامح الغابرة..نفس النظرة السحيقة ،حاولت سحب يدها لكنها لم تستطيع فجسمها لم يعد ملكها..وجدت نفسها تطير نحو جانب من الدائرة بقوة كبيرة كأن مدفع حربي قد قذفها حتى أنها سمعت تحطيم عظامها..تقوقعت على أرضية خشنة ساخنة لكنها لم تقدر على المقاومة والنهوض..استسلمت لقدرها لكن القدر كان يحمل لها الكثير فى جعبته،وجدت نفسها تطير ثانية ناحية المرأة أو ذلك الشكل الذى يشبه امرأة لكنها من الجحيم،تخيلت حسناء أنها ماتت حقاً وان هذا هو عذاب القبر،لكنها وجدت السيدة تتحدث بصوت قوى كانه يخرج من الأرض وليس من حنجرتها قائلة:-أنت من سرقت ولدى!

-أنا..!

-اخرسى ولا تنطقي أيها الأنسية اللعينة..لقد سرقتي ولدى عندما سحرتيه فذهب لعالمك ونبذ عاداتنا.

-عمن تتحدثين؟

-عن سيجال ..ابني الذى تزوجك بصورته الأنسية وترك عالمنا وخالف تقاليدنا ..والآن على كل أسرته أن تدفع الثمن..

-أى ثمن! ..أى زوج!

وجدت نفسها تطير للأعلى ثم تهوى مثل قطة برية يلاعبها ضبع جائع،لم تستطع فعل شىء سوى الصراخ المكتوم..فقط فضاء واسع خانق حارق بلا رحمة،فأغمضت عينيها مُنتظرة الموت بل تتمناه من قلبها لكن حتى الموت لم يقبل بها ،وبعد صراع من اجل فتح عينيها وجدت زوجها متكوراً فى جانب بجوارها وقد تغير لونه واسودت ملامحه وأصبح عينهي حارقة النظرات..وجدته قد اصبح يُشبههم كثيراُ بينما بجواره لمحت ابنتها الصغيرة فاقدة الوعى ممدة بجواره..صرخت حسناء تتمنى الموت ولا بأس به مادامت ابنتها بخير لكن الآن أصبحت تريد الموت حتى تنقذ الصغيرة المسكينة..وفجأة دارت بهم الدائرة الملعونة كإعصار هائج ثم ألقتهم فى قاعة عظيمة الأركان ذهبية الأعمدة مزينة الحوائط بشكل مُبهر ..وجدت نفسها تقف وبجوارها زوجها أو ما بقى منه وأمامها ترقد ابنتهما الصغيرة..وأمامها يجلس ملكاً عظيماً أو هكذا يبدو  من عرشه وسلطانه،حاولت الكلام فعجزت بينما تكلم الملك قائلاً:زوجك خالف تقاليدنا ومن يخالفنا ويتزوج أنسية يُحكم عليه وعلى زريته باللعن فهو يخلط دماءنا الذكية بدمائكم العطنة،لذلك عليك الاختيار بينه وبين ابنته،لابد من التضحية بأحد منهم.

نظرت لزوجها وعينيها تقطر وجعاً ثم تسارعت دقات قلبها حينما رأت صغيرتها الضعيفة تنظر الموت أو اليتم،فقالت بعد صراع مع روحها:

-ارتكوا زوجي وابنتي وأنا هنا أقدم لكم روحى فداءً لهما..أنا أفديهما.

تحركت القاعة وبنفس قوة الإعصار دارت بهم حتى كادت تفقد الوعى وسمعت صوتاً قوياً يُردد:-لقد كنا نختبرك وقد نجحت فى الاختبار..ستعيشون حياة هنية لأن هناك قانون نحترمه أن من يُضحى بنفسه من أجل غيره يرتقي بنفسه من منزلة البشر الملاعين ويصبح فى منزلتنا"

غابت عن الوعى لتجد نفسها فى حجرتها تحتضن صغيرتها بينما زوجها يغط فى نومٍ عميق.

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

9

متابعين

2

متابعهم

1

مقالات مشابة