رحلة الرعب ما بين نفسي إلى أسوان
نظرت “سارة” فى ساعتها وقد تخطت العاشرة فعلمت أنها قد تأخرت بالخروج من المشفى ،وبالكاد تستطيع الوصول لشقتها لتبدأ رحلتها مع زوجها وطفلتها “رنيم” فى زيارة لعائلة زوجها فى صعيد مصر ،وكانت هذه أول مرة تذهب فيها “سارة ”للصعيد فلم يسبق لها الذهاب لقريته هناك أبداً بل اكتفى بخطبتها ثم عقد قراتنه عيلها بحضور والديه فقط بحجة أن له خالاً قد توفى من فترة قصيرة ولا يحق وفق تقاليد الصعيد أن يقيم زفافاً قبل مرور عام على وفاته ،لذلك كان زفافاً سريعاً ومن يومها لم أقابل أحداً من أهله أو أسمع حتى صوتهم على الهاتف وحقيقة لم أهتم فقد كان يحرص مدحت على زيارتهم كل أسبوعين وبمجرد خروجه من المنزل يغلق هاتفه بحجة أن ذلك الوقت البسيط هو لهم ولا يجوز أن نزعجه فيه .وقد كانت نظرات الناس لنا مختلفة قليلا عن نظراتهم فى القاهرة فتشعر ان الناس يدققون النظرات فينا وكأن أعينهم تخترق ملابسنا لتفتش عنا تحت ثيابنا بل يزداد الأمر غرابة أن كل منهم يحاول أن يسمع منك قصتك باختصار فتشعر من محاولة مجاذبتك أطراف الحديث أنك لابد أن تشرح لهم من أنت؟ وسبب وجودك هنا، ويبدو أن لون بشرتى الأبيض وكذلك لون فتاتى الصغيرة ، وطريقة ملابسنا تدل على اننا دخلاء هنا ،وأننا لابد أن نقدم لجميع العيون الناظرة لنا تقريراً عما نفعله هنا . وصلنا لمحطة أسوان وبعدها وجدنا سيارةصغيرة فى انتظارنا ولم يخبرنى زوجى عن السائق ،مع أنه تحدث معه برهة من الوقت على جنب ،لكننى لم أهتم فكثيراً ما كان لزوجى “عادل” طباع غريبة بدءاً من إخفائنا عن عائلته طيلة الثلاث سنوات الماضية مدة زواجنا فضلاً عن الإتصالات الغامضة ليلاً لكننى لم أهتم فقد كان يحسن معاملتنا كما أنه أب رائع لابنته كما كنت أقول لنفسي :
-من منا لا يملك أسرارً خاصة به !
سارت بنا السيارة حتى وصلنا لشاطىء النيل و ركبنا عبّارة بسيطة صدئة مثل قطار منتهى صلاحيته يوشك على الموت
وصلنا إلى البر الثانى ،وهناك وجدنا سيارة أخرى عبرت بنا طرقاً وشوارع غريبة لكنها لم تتوقف عند أي منها بل استمرت فى التحرك حتى وصلت لمنزل غريب على حافة القرية وبعده صحراء ممتدة ثم نزلنا وقد بدأت اشعر بالخوف فلا منظر البيت ولا هيئة الناس ولا أى شىء يدعو للراحة لدرجة أننى قلت لعادل :-من فضلك دعنا نعد للقاهرة وأعدك أننى لن أطلب منك أن أرى عائلتك مرة ثانية ،لكنه نظر إليّ ولم يجب،
فقد قال يعينيه أننا بخير حتى نظرت للبيت وكان طينى مملؤ بخيوط العناكب وأمامه تكعيبة شجرة عنب غطت أغلب المدخل بلا تهذيب ولا اهتمام حتى أضفت رعباً على الرعب الخارج من المكان وكان الظلام قد بدأ يزداد ورغم أنه من المفترض أن أحدامن أقاربه ينتظرنا هنا لكن المنزل كان مظلماً وصوت البوم يملأ المكان فسرت قشعريرة فى جسدى وانا أترجى من عادل أن نعود مع السيارة التى أصبحت تبتعداًومعها نورها شيئاً فشيئا.
فتح زوجى مصباح هاتفه وأخرج مفتاحاً قديماً صدءاً وفتح الباب الذى أحدث صريره رعباً فوق الرعب على قلبي ،وكانه يفتح باباً للموت،وقد بدأت الصغيرة بالبكاء ولكن عادل كان هادءا وصامتاً على غير العادة .
دخلنا لنجد بيتاً يشبه المقابر من ظلمته ووحشته ،وقد سرت قشعريرة فى جسدى وأخذت أهدأ الصغيرة وأقرأ كل الأيات التى كنت أحفظها ،والتى كانت تخرج بشق الأنفس ،وأمسكت بملابس عادل والصغيرة مازالت تبكى على كتفي وقلت له :-أريد الخروج من هنا ،ولن أمكث هنا لحظة واحدة أخرى ثم اتجهت للباب وقد كان مغلقاً وقد كنت أجذبه بقوة أنثى تحمل حياة ابنتها على كفيها ،وفعلاً فتحت الباب واندفعت بقوة خارجاً لأجدنى أسقط من على السرير بقوة ،وعادل يقوم من نومه مفزوعاً لكنه لم يتمالك نفسه وأخذ يضحك على منظرى بكل قوته ،ولم أكن أملك القوة لأضحك أو أفعل شيئاً لكن أخيراً حملت الوسادة التى وقعت معى على الأرض وقذفته بها فى وجهه وعندها قال "-هيا ارتدى ملابسك كى نلحق بالقطار.