تجربتي مع ثانوية عامة
أعرفكم بنفسي أنا من صناع الابتسامة ،فتاة مصرية تجاوزت الثامنة عشر ببضعة أشهر ، وكذا أيضا تجاوزت عقبة الثانوية العامة والتي هي بمثابة أكبر عقبة يمر بها الطالب المصري ،وكذا أي دولة لازالت تتبع ذلك النظام الذي لم نعرف له هدف ولا وجه إلى الآن إلا إضاعة الأعمار والآمال، جئت هنا اكتب لكم عن تجربتي وقبل أن يظن قارئي من تلك المقدمة الكئيبة أنني من إحدى ضحايا هذا النظام أود أن أشير أني أنهيت المرحلة الثانوية بمجموع ٩٥,٢٣%أي أنني لست فاشلة أعلق فشلي على عيوب النظام الذي نشتكي منه منذ أكثر من خمسين سنة،بالرغم من أني أرى أن مجموع الثانوية ليس له علاقة أبدا بفشل ولا نجاح.
في خلال رحلة ثلاث سنوات عزمت من أول يوم على أن أبتعد عن أي شيء من شأنه أن يضيع وقتي وأن أفعل كل ما بوسعي حتى أحصل على مجموع يمكنني من الالتحاق بكلية الطب ذلك الحلم الذي كنت أتمناه منذ أن كنت تلميذة في المرحلة الإبتدائية ، لقد كنت مجتهدة منذ المرحلة الابتدائية ،ولكن زاد اجتهادي أكثر في المرحلة الثانوية بالرغم من ظروف المعيشة الصعبة التي كانت تجبرني على أذاكر بعض المواد وحدي بلا معلم مثل الأحياء والمواد الشرعية أما باقي المواد فقد كنت أستغني فيها عن المعلم كلما استطعت وكان يساعدني في ذلك اليوتيوب ،لجأت أيضا إلى العمل في عدة وظائف من أول منشئة محتوى على تطبيق كواي إلى مسوقة مستحضرات تجميلية لدى شركة ماي واي ثم إلى محفظة قرآن للأطفال في إحدى المدارس القرآنية في القرية إلى كاتبة محتوى ،هذا بالطبع كان فقط في الصفين الأول والثاني الثانوي ،أما في الصف الثالث الثانوي أخذت دروسا في كل المواد بل إني أخذت درسين في مادة الفيزياء ،وتوقفت عن العمل إلا الكتابة لأنها لي ليست بعمل قدر ما هي هواية،كنت أقلل من تناولي للطعام حتى انام أقل ،كنت أذاكر حتى يغلبني النوم ،وفي أحيان كثيرة كنت ألجأ للحفظ أجل لقد حفظت كثيرا في الفيزياء والكيمياء وكذا بعض مسائل الرياضيات ،وأعلم أن هذا ليس لعيب مني في الاستيعاب بل إن العيب في منهج لا يدع مجالا للفهم ولا الابتكار ،أنا في خلال درراستي الثلاث سنوات لم أرى تجربة كيمياء واحدة ،ولا أي تطبيق عملي للفيزياء ،وكذلك كل المواد كل ذلك وغيره كثير لم يكن يهم بالنسبة لي كل ما كان يؤلمني هو أنني لم أكن أعرف إلى اين سأذهب ،لقد حرمنا هذا النظام من نرى أمامنا خطة واضحة للحياة ؛فأنا أعلم ان تلك الدرجات هي التي ستحدد مساري القادم في الحياة وليست رغبتي ،أو مؤهلاتي العقلية والنفسية التي ستحدد ،كان أكثر سؤال يؤلمني هو سؤال ماذا لو ؟ماذا لو خذلتني درجاتي ،أعلم أن الله يختار الأفضل ولكن الله أمرنا بالسعي العاقل ،لم يامرنا أبدا بأن نسلم طموحاتنا وآمالنا إلى درجات لا ترقى إلى تحديد مدى تأهلنا لتحقيق أهدافنا ومع ذلك كنت أحاول إلى آخر يوم في الامتحانات التي امتدت الى شهر ونصف ،أجل فأنا طالبة أزهرية .
وانتظرت إلى يوم النتيجة وأنا أعصابي تحترق أجل فأنا أعلم ما سيتوقف على تلك النتيجة مع أنني كنت مدركة تماما أنني لم يبقى أمامي شيء آخر لأفعله تجاه هذا الهدف؛ لذا يجب أن أرضى بما سيقدره الله أما النظام فليس بيدي أن أغيره ؛لذا أيضا سأقبل برضا وأمل وفي يوم الثلاثاء الموافق 30/7/2024 في الساعة الخامسة والنصف أخبرني أبي أنه تم الإعلان عن الأوائل كنت أخفي القلق من عيني ؛فانا أعلم أن أبي متوتر بما يكفي كما أن حالته الصحيه ليست على نحو يسمح له بتحمل القلق،واتصل في ذلك اليوم خالاتي ليطمئنوا، وأنا لم اكن أريد أن أسمع أحد ،كنت متوترة بما يكفي.
وفي يوم الأربعاء في الساعة الواحدة والنصف كما حدد شيخ الأزهر جلست أنا وأمي وأبي وإخوتي الاثنين وجدي وجدتي وينما شيخ الأزهر كان يلقي كلماته في المؤتمر كنت أموت أنا خوفا حتى أنني جرحت اصابعي من كثرة ما قطمت من أظفاري ،ليفتح موقع النتيجة وأحصل على مجموع ٦١٩ ، بالطبع لم هذا المجموع الذي أردته لقد كنت أعد نفسي أن أكون الأولى على الجمهورية ولكن عندما رأيت السعادة في عين أبي وأمي وإخوتي وكل من حولي نسيت ما كنت أريد لبعض الوقت .
ثم ما إن انتهى ذلك اليوم الذي أحسبه من أجمل أيام حياتي بدأت في قلق أشد وهو التنسيق أجل ذلك الفعل المدمر الشامل كما وصفه الفنان الكبير محمد صبحي في برنامجه الشهير مفيش مشكلة خالص. الواحد من عشرة يستطيع نقلي من طب القاهرة إلى أسيوط ،ومن طب إلى صيدلة ،ومن هذه الكليه إلى تلك.ولا زلت كطالبة أزهرية أنتظر انتهاء امتحانات الدور الثاني ونتيجة الدور الثاني ،ثم نبدأ في تسجيل الرغبات ومن ثم ننتظر على الأقل أسبوع لنرى نتيجة التنسيق .
أليس هذا قمة الاهدار للوقت ،اجل اهدار للوقت والآمال أن اعيش بلا خطة واضحة فأنا لا آراه الإ استهتار بأحلامنا وأعمارنا ،انا لا يؤلمني العمل الشاق ولا الظروف الصعبة ولكن يؤلمني أن تكون حياتي حالة من الفوضي هذا عندي قمة الألم ،ولكن لن أتوقف حتى ولو أجبرني التنسيق على تغيير مساري سأبقى احاول من أجل هدفي ؛فأنا إن أراد الله لن أياس أبدا وكذا أتمنى أن يفعل كل زملائي ،يجب ان نعمل من أجل أهدافنا ،وأن نستبدل الخطط ،يجب ألا نتوقف فنحن في هذه الأيام في أمس الحاجة إلى العمل والأمل وأتمنى التوفيق لنا جميعا .
صانعة ابتسامة