الرسائل المجهولة: عندما يكون الموت مكتوبًا
كانت الساعة تشير إلى العاشرة مساءً عندما عاد كريم إلى شقته الصغيرة في أحد أحياء المدينة الهادئة. كان يوماً طويلاً في العمل، وكل ما كان يتمناه هو الاسترخاء ومشاهدة فيلم قبل النوم. وبينما كان يمرّ عبر صندوق البريد، لاحظ وجود ظرف بني قديم ملقى بداخله. رفعه بتردد، كان الظرف بلا طابع بريدي، بلا عنوان للمرسل، مجرد ورقة صفراء قديمة.
صعد كريم إلى شقته، فتح الظرف، ليجد داخله ورقة واحدة فقط مكتوبة بخط يد مرتجف: "موتك سيكون بعد ثلاثة أيام". شعر بقشعريرة تسري في جسده، وتجاهل الأمر كأنه مجرد مزحة سيئة من أحدهم. لكنه لم يستطع التخلص من الشعور بالخوف الذي بدأ يتسلل إلى قلبه.
في اليوم التالي، وجد كريم رسالة أخرى، هذه المرة على باب شقته. كانت الرسالة مشابهة للأولى: "اليوم الثاني، الموت يقترب." بدأ كريم يشعر بالقلق، لكنه لم يكن يعرف من يمكنه أن يلجأ إليه. حاول التحدث مع أصدقائه عن الأمر، لكنهم اعتبروه مزاحًا سخيفًا. لا أحد أخذ الأمر على محمل الجد.
في اليوم الثالث، كانت الرسالة تنتظره داخل شقته. "اليوم الأخير، استعد." بدأ قلبه ينبض بسرعة، وبدأت الهلاوس تلاحقه. سمع أصواتًا غريبة في شقته، همسات تأتِ من كل زاوية، وكأن الجدران كانت تتحدث إليه. أصبح كريم مقتنعًا أن هناك شيئًا غير طبيعي يحدث، وأن الرسائل لم تكن مجرد مزحة.
مع اقتراب منتصف الليل، بدأ كريم يشعر بأن وقته ينفد. قرر البحث عن أي خيط يقوده إلى فهم مصدر هذه الرسائل. عاد إلى أول رسالة، محاولاً فك الشفرة التي قد تكون مخبأة فيها. عند النظر بتمعن إلى الورقة، لاحظ اسمًا محفورًا في الزاوية، بالكاد يمكن رؤيته: “ليلى.”
لم يعرف كريم من هي ليلى، لكن الاسم بدا مألوفًا بشكل غريب. بدأ يبحث في ذكرياته، حتى تذكر حادثة قديمة. قبل سنوات، تعرضت فتاة تُدعى ليلى لحادثة مروعة في نفس الحي الذي يسكن فيه. كانت الفتاة مخطوبة لشخص من معارفه، لكن الحادثة وقعت بشكل غامض، وتم وصفها بأنها انتحار. لكن كثيرين لم يصدقوا هذه الرواية.
مع حلول منتصف الليل، بدأ كريم يشعر بأن الهواء في شقته أصبح ثقيلًا. الأضواء بدأت تخفت، والأصوات الغامضة أصبحت أكثر وضوحًا. فجأة، انطفأت الأنوار بالكامل، وغرقت الشقة في الظلام. في تلك اللحظة، سمع صوتًا هادئًا يقول: “لقد حان الوقت.”
ظهر أمامه خيال باهت لفتاة ترتدي ثوبًا أبيض، وكانت عيونها فارغة، مجرد تجويفين مظلمين. كانت ليلى. اقتربت منه ببطء، وقالت بصوت مخيف: “لم يكن انتحارًا، بل كان خيانة. كنت أبحث عن شخص يسمع قصتي، ووجدتك أنت. لا تظن أنك بريء، الجميع متواطئون.”
حاول كريم الهروب، لكن قدميه كانتا مشلولتين من الخوف. بدأت ليلى تقرأ رسائلها بصوت مرتفع، كل كلمة كانت تغرز في قلبه مثل خنجر. ومع كل جملة، كان يشعر بحياته تتلاشى ببطء.
في الصباح التالي، وُجد كريم ميتًا في شقته. كانت الأوراق متناثرة حوله، والرسائل كانت مختومة بدماء جافة. تم وصف موته بأنه نتيجة نوبة قلبية مفاجئة. لكن من يعرف القصة الحقيقية، يعلم أن كريم لم يمت بمفرده. الروح التي أرادت الانتقام وجدت في كريم وسيلة لتحقيق هدفها.
بعد أيام قليلة، تلقى أحد أصدقائه رسالة في صندوق بريده. كانت الرسالة مختومة بدم أحمر، مكتوب عليها: "لم أنتهِ بعد." وبهذا، تبدأ الحلقة الجديدة من لعنة الرسائل المجهولة، التي ستواصل ملاحقة من تتجرأ على تجاهل التحذيرات.
---
هذه القصة تذكير بأن الماضي قد يعود ليطاردنا بطرق لا نتوقعها، وأن بعض الرسائل لا يمكن تجاهلها مهما بدت بسيطة.