"صرخات في ظلام الغابة"
في ليلة هادئة، قرر أربعة من الأصدقاء أن يخوضوا مغامرة جديدة في غابة قديمة تكثر حولها القصص والأساطير المرعبة. لم يكن أحد منهم يأخذ تلك القصص على محمل الجد، فقد اعتادوا على تحدي المجهول واختبار حدود شجاعتهم. لكن هذه المرة، كانت الغابة مختلفة.
كانت الأشجار هناك طويلة وضخمة، أوراقها كثيفة تحجب ضوء القمر وتلقي بظلال مرعبة على الأرض. الجو بارد بشكل غريب، مع نسيم يهمس كأنه يحمل أسرارًا خفية. نصب الأصدقاء خيامهم في وسط الغابة وأشعلوا نارًا كبيرة، كانت وسيلتهم الوحيدة للشعور بالأمان وسط هذا المكان المعزول. جلسوا حول النار يتسامرون، ضحكاتهم العالية كانت تحاول كسر الصمت المخيف الذي يحيط بهم.
مع مرور الساعات، بدأت الأصوات الغريبة في الظهور. في البداية كانت خفيفة، مثل صوت رياح تتسلل بين الأشجار، ثم بدأت تتعالى تدريجيًا، كأنها همسات بعيدة أو حفيف أقدام خفيفة تقترب منهم. حاولوا تجاهلها، معتبرين إياها مجرد خيالهم الجامح أو ربما حيوانات ليلية تعيش في الغابة.
لكن عندما انطفأت النار فجأة، تجمدت الضحكات في حلوقهم. الظلام كان كثيفًا بحيث لم يكن بإمكانهم رؤية أي شيء سوى السواد الحالك. كانوا يعرفون أن شيئًا ما ليس على ما يرام. واحد منهم، يُدعى خالد، قرر أن يتفحص الغابة المحيطة. حمل مصباحه وبدأ يتوغل بين الأشجار، ولكن كلما تقدم خطوة، زادت الأصوات غموضًا وصارت تبدو وكأنها أنين صادر من أعماق الأرض.
بقي الثلاثة الآخرون بجوار الخيام، متحسسين بقلق انتظار عودة خالد. لم يمضِ وقت طويل حتى عاد راكضًا نحوهم، وجهه شاحب وعيناه متسعتان برعب. قبل أن يتمكن من التحدث، بدأت الأشجار من حولهم تتحرك كأنها تهمس بلغة غير مفهومة. حزموا أمتعتهم بسرعة وحاولوا الهرب، لكن كلما حاولوا التحرك، كانت الأرض تحت أقدامهم تبدو وكأنها تتغير، ممرات جديدة تظهر وتختفي، والشعور بالضياع يزداد.
فجأة، سمعوا صوت صرخة مدوية تبعتها خطوات ثقيلة تقترب. كانت الأرض ترتجف مع كل خطوة، وكأن وحشًا ضخمًا يزحف نحوهم من أعماق الظلام. بدأوا في الركض بكل ما أوتوا من قوة، لكن الظلام كان يتسرب إلى أرواحهم، يجعلهم يشعرون وكأن الغابة تسحبهم إلى قلبها.
خلال اللحظات الأخيرة، لم يعد أحد منهم يعرف أين يذهب أو كيف يهرب. الأصوات كانت تملأ الهواء، الصرخات تختلط مع الهمسات، والظلال تقترب أكثر فأكثر. ثم فجأة، توقف كل شيء. اختفى الصراخ وتلاشت الأصوات، وبقي الظلام وحده يحيط بهم.
في صباح اليوم التالي، وصلت فرق البحث من القرية المجاورة إلى موقع التخييم، لكنهم لم يجدوا أي أثر للأصدقاء الأربعة. كانت الخيام ما تزال في مكانها، لكن الأرض كانت مغطاة بطبقة رقيقة من الرماد الأسود، وكأن النار التهمت كل شيء. لم يكن هناك أي أثر يدل على ما حدث، سوى آثار أقدام غريبة تلتف حول المكان، ثم تتلاشى في قلب الغابة.
منذ ذلك اليوم، لم يجرؤ أحد على الاقتراب من تلك الغابة مرة أخرى. أصبح الناس يتحدثون عن تلك الليلة بوجل، يتساءلون عن السر الذي تخبئه الغابة في أعماقها، وعن مصير الأصدقاء الذين اختفوا في الظلام. لكن الحقيقة ظلت مدفونة في قلب الغابة، حيث تهمس الأشجار كل ليلة بأسرارها المرعبة، منتظرة ضحايا جدد يغامرون بدخولها.