"حين التقينا في ظل القمر
حين التقينا في ظل القمر
كان الليل قد حل في المدينة، والسماء ممتلئة بالنجوم المتناثرة، ما عدا القمر، الذي كان يتوسط السماء، ضوءه الباهت يتسلل بين الغيوم كما لو كان يحاول أن يضيء المكان بأمل ضائع. كان هذا هو الوقت الذي تكتنف فيه الأساطير والشائعات في الأرجاء، وحين يصبح الصمت الثقيل هو الرفيق الوحيد لأرواح تائهة.
في أحد الأزقة الضيقة المظلمة، كان هنالك منزل مهجور، قديم ومهدم، تم تدمير أغلب جدرانه، ما عدا القليل من قطع الزجاج التي ما زالت تحمل بقايا ذكريات قديمة. كان الجميع يتجنبون الاقتراب منه، ومع ذلك، كان شخص ما يشعر بجذب قوي نحو هذا المكان الغريب، شخص يعرف أنه سيجد شيئًا في هذا المكان. كان ذلك الشخص هو "سامي"، شاب في العشرينات من عمره، لديه حس غريب تجاه الأماكن المهجورة. منذ أن سمع لأول مرة عن هذا المنزل، لم يتمكن من التخلص من شعور غريب يراوده عند المرور بجانبه.
في تلك الليلة، قرر أن يذهب إلى هناك. كان يحمل كاميرته القديمة، محاولًا توثيق أي شيء قد يجده داخل هذا المنزل المهجور. كان يمشي ببطء، ومع كل خطوة يخطوها، كان القمر يضيء الأرض حوله بشكل أكثر وضوحًا، كما لو كان يراقب كل شيء بحذر. ولكنه شعر بشيء غير عادي في الهواء، شيء ثقيل. كأن هذا المكان نفسه كان يعيش، يراقب، ويستشعر وجوده.
وصل إلى المنزل، ودفع الباب المهدم الذي كانت الرياح تجعله يصرخ في صمت. دخل بهدوء، بينما كانت أصوات خطواته تتردد في المكان المهدم. كانت الأرض مغطاة بالغبار، وعيناه تتنقلان بين الظلال في كل زاوية. بدا وكأن الزمن توقف هنا، كل شيء مغطى بالعفن والأتربة، لكن هناك شيء في المكان جعله يشعر وكأن شيئًا عتيقًا يعيش هنا.
وبينما كان يستعرض المكان، شعر فجأة بوجود شخص آخر. التفت، وعيناه تصادمتا مع فتاة تقف في زاوية مظلمة، كانت تراقبه. كان شعرها الأسود يتناثر في الرياح، وعينها تلمع في الظلام كما لو كانت قمرًا صغيرًا يعكس ضوءه.
"من أنتِ؟" سألها سامي وهو يقترب بحذر.
أجابت الفتاة بصوت هادئ، ولكنها كانت تحمل في كلماتها شيئًا غامضًا. "كنت أنتظرك."
تفاجأ سامي لسماع هذه الكلمات. "أنا؟ لماذا؟"
ابتسمت الفتاة ابتسامة غامضة، ثم اقتربت منه. "لأنك أخيرًا وصلت إلى المكان الذي كنت تهرب منه طوال حياتك."
شعر سامي بشيء غريب في داخله. كان يعرف أن هناك شيء غير طبيعي يحدث هنا. لكن، كيف تعرفه؟ كيف كانت تعرف أنه كان هاربًا من شيء طوال حياته؟
"أنت من هذا المكان؟" سألها بصوت مرتجف، ولم يكن يعرف إذا كان عقله يتلاعب به أم أن الحقيقة كانت تتكشف أمامه بالفعل.
"لا، لكنني جزء من هذا المكان." قالت الفتاة، "أنا واحدة من أولئك الذين كانوا هنا في هذه الأرض قبل أن تتحول إلى هذا." أدرجت إصبعها بين الأنقاض، ولفتت انتباهه إلى صورة قديمة كانت ملتصقة بالجدار. الصورة كانت مهترئة، وبالكاد يمكن التعرف على ملامح الأشخاص فيها.
تقدم سامي ليتفحص الصورة، فلاحظ أن أحد الأشخاص في الصورة كان يشبهه بشكل مدهش. كان يشعر بالارتباك. من هؤلاء الناس؟ ولماذا يشبههم؟
"لماذا تظهر لي هذه الصورة؟" سأل، "هل هناك علاقة بيني وبين هذا المكان؟"
قالت الفتاة، "نعم، هناك دائمًا علاقة بين الماضي والحاضر. هذا المكان ليس مهجورًا كما تعتقد. إنه يعيش. وأنت جزء من هذا."
بينما كانت الفتاة تتحدث، كان سامي يشعر أن شيء غريب يحدث. كان الظلام يزداد كثافة حوله، وصوت الرياح يتحول إلى همسات غريبة، وكأن الجدران نفسها كانت تتحدث إليه. فجأة، اختفت الفتاة من أمامه، وكأنها تلاشت في الظل. شعر سامي بموجة من الرعب تكتسح جسده، لكنه لم يستطع أن يتوقف عن البحث.
ركض سامي في الممرات المظلمة للمنزل المهجور، حيث لم يكن هناك سوى الظلال. بدأ يسمع أصواتًا غريبة قادمة من كل مكان. أصوات همسات، كأن هناك شيئًا ما يراقبه. ثم، وبينما كان يركض، توقف فجأة عندما رأى انعكاسًا في المرآة المكسورة على الجدار. كان انعكاسه مختلفًا عن ما كان يراه. بدا شاحبًا، وعيناه كانتا فارغتين، وكأن روحه قد خرجت منه.
في تلك اللحظة، أدرك سامي أن كل شيء كان جزءًا من لعبة أكبر. المنزل، القمر، الفتاة الغامضة، وكل ما كان يحدث حوله كان يهدف إلى شيء واحد: أن يكشف له عن سر لم يكن يعرفه من قبل.
"أنت لست وحدك في هذا المكان." قالت الفتاة، وهي تظهر مرة أخرى من الظلال، "هذا المكان يربط بين الماضي والحاضر. وكل من يدخل هنا، عليه أن يواجه ماضيه."
شعر سامي وكأن الأرض تنقض عليه، وأصبح الهواء أكثر كثافة. لكن في تلك اللحظة، أدرك أنه كان جزءًا من هذا المكان، وأنه كان هنا ليواجه ماضيه الذي كان يهرب منه طوال حياته.
ومنذ تلك اللحظة، كان سامي يعلم أن هذا المكان لن يتركه أبدًا، وأنه سيظل جزءًا من الظلال التي تتحرك في هذا البيت المهدم. ومع مرور الوقت، أصبح سامي جزءًا من اللغز نفسه. وكلما مر القمر في السماء، كان يذكره بالسر الذي لا يمكن الهروب منه.