بدء العد التنازلي

بدء العد التنازلي

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

“العد التنازلي”

 

---

كانت الساعة تشير إلى السابعة مساءً حين خرج "كريم" من مقر عمله وسط المدينة. السماء كانت ملبدة بالغيوم، والهواء محمّل برائحة المطر. لم يكن يتوقع أن تلك الليلة ستغير كل ما يعرفه عن حياته.

بينما كان يعبر الشارع، اهتز هاتفه برسالة مجهولة:

> “لديك 60 دقيقة قبل أن ينفجر كل شيء.”

 

توقف في مكانه للحظة، ظنها مزحة سخيفة، لكن الرسالة الثانية جاءت أسرع:

> “انظر إلى المبنى المقابل.”

 

رفع رأسه، ورأى عبر النوافذ الزجاجية في الطابق السابع حقيبة سوداء موضوعة على مكتب، والشيء الأكثر غرابة… هو الرجل المقنع الذي لوّح له بإيماءة بطيئة وكأنه يعرفه.

 

---

لم يكن كريم رجل مغامرات، لكنه كان يعمل محللاً أمنياً سابقًا قبل أن يترك ذلك المجال المليء بالأسرار. قلبه بدأ يخفق بقوة، عاد هاتفه يهتز برسالة جديدة:

> “أنت الوحيد الذي يستطيع إيقاف هذا… لأنك السبب.”

 

تجمد الدم في عروقه، السبب؟ كيف؟ ولماذا الآن؟ لم يكن هناك وقت للأسئلة، قرر أن يركض نحو المبنى، لكن الحارس منعه بحجة أن الدخول ممنوع بعد الخامسة مساءً.

مد يده داخل جيبه، أخرج بطاقة قديمة من عمله السابق وغمز للحارس قائلاً:

— “أمر طارئ، سيذكرك التاريخ أنني أنقذتك الليلة.”

لم ينتظر الحارس ردًا، بل اندفع إلى الداخل وصعد السلالم بسرعة، خطواته تتسارع مع كل ثانية تمر.

 

---

حين وصل إلى الطابق السابع، كان الممر هادئًا بشكل مريب. على باب المكتب الذي رأى الحقيبة بداخله، وُضعت ورقة مكتوب عليها:

> “افتح، أو مت معهم.”

 

فتح الباب بحذر، وهناك كانت الحقيبة على المكتب، تصدر صوت طنين منخفض. فتحها ببطء، فوجد جهازًا معدنيًا مع شاشة صغيرة تعرض عدًا تنازليًا: “00:12:47”

بدأ يتفحص الأسلاك، لكن شيئًا ما لفت انتباهه… ملصق صغير على جانب الجهاز عليه شعار كان يعرفه جيدًا: شعار وحدة العمليات الخاصة التي كان يعمل بها قبل خمس سنوات، والتي ظن أنها انتهت.

فجأة، انطفأت الأنوار، وبقي المكان في ظلام دامس. صوت خطوات يقترب من خلفه، وصوت رجل مألوف يهمس:

— “مرحبًا مجددًا… يا خائن.”

 

---

استدار كريم بسرعة، وإذا به يرى زميله القديم "سامي" الذي كان يُفترض أنه مات في عملية سرية. وجهه كان مليئًا بالغضب والندوب.

— “ظننتَ أنك تستطيع الخروج من العالم القذر الذي صنعك؟”

— “سامي… هذا ليس وقتك! هناك قنبلة يجب أن…”

قاطعه سامي بضحكة باردة:

— “أنا من وضعها.”

أمسكه من رقبته، ثم دفعه نحو الحائط بقوة. حاول كريم المقاومة، لكن سامي أخرج جهاز تحكم وضغط زرًا، فتوقف العداد فجأة على "00:00:05".

ابتسم سامي وقال:

— “لن تنجو هذه المرة…”

 

---

في لحظة يأس، رمى كريم بنفسه على الحقيبة، مزق الأسلاك بيديه دون تفكير، وانقطع الطنين فجأة. الصمت سيطر على المكان.

ابتسم وهو يلهث، لكنه حين رفع رأسه… وجد الحقيبة فارغة.

على الحائط، كان هناك جهاز عرض صغير يُظهر عدًا تنازليًا جديدًا: "00:59:59"، مع خريطة للمدينة بأكملها.

التفت إلى سامي، لكنه اختفى… وكأن الأرض ابتلعته.

الهاتف اهتز مرة أخرى برسالة أخيرة:

> “مرحلة 1 انتهت… اللعبة بدأت الآن.”

العد التنازلي – الجزء الثاني

توقف كريم أمام الشاشة العملاقة التي تُظهر خريطة المدينة. نقاط حمراء تتوزع في أماكن حساسة: محطة القطار، جسر النيل، ومبنى البلدية. كل نقطة كانت عدًّا تنازليًّا مستقلًّا.

الوقت كان يمر، والساعة على أقرب هدف تُظهر 00:45:12.

لكن السؤال الأهم… كيف سيفكك كل هذه القنابل وحده، ومن الذي يدير اللعبة فعلًا؟

رن هاتفه مجددًا، هذه المرة كان اتصالًا لا رسالة. الصوت على الطرف الآخر كان مشوّهًا:

— “مرحبًا يا بطل… القنبلة التالية على الجسر، وإذا أردت الموقع الدقيق، لديك صفقة لإبرامها.”

— “وأي صفقة بالضبط؟”

— “تسلم نفسك… وتعود لعملك القديم.”

لم يكن هناك وقت للتفكير. انطلق كريم من المبنى وركب دراجته النارية، بينما المطر بدأ يهطل بغزارة، والمدينة غارقة في أضواء الشرطة وصفارات الإنذار.

 

---

حين وصل إلى الجسر، كان الظلام يلف المكان. لمح صندوقًا معدنيًا أسفل أحد الأعمدة. اقترب بحذر، لكن قبل أن يلمسه، انطلقت صفارة عالية من خلفه.

التفت بسرعة، فوجد "سامي" واقفًا ومعه أربعة رجال مسلحين.

— “قلت لك… هذه مجرد المرحلة الأولى. نحن لا نفجر المدينة، نحن نعيد تشكيلها.”

— “تشكيلها؟! أنت تهدد آلاف الأبرياء!”

— “الأبرياء لا وجود لهم في هذه اللعبة.”

أشار سامي لأحد رجاله، فقام بفتح الصندوق المعدني. لكن المفاجأة… لم يكن بداخله متفجرات.

كان جهاز إرسال متصل بكاميرات في أنحاء المدينة، وكلها موجهة نحو وجوه معروفة… سياسيين، رجال أعمال، وضباط شرطة.

— “اللعبة يا كريم… ليست قنابل، بل أسرار. كل قنبلة توقفها تعني أنك تمنع فضيحة ستسقط أحدهم.”

— “ومن المستفيد؟”

ابتسم سامي وقال:

— “أنت… إذا اخترت الجانب الصحيح.”

 

---

قبل أن يرد، بدأ أحد العدادات على الخريطة العملاقة بالوصول إلى الصفر.

00:00:03… 00:00:02…

— “سامي، أوقفه!”

— “متأخر جدًا…”

فجأة، لم يحدث انفجار… بل انطلقت جميع شاشات المدينة ببث مباشر لرجل سياسي بارز يتحدث في مكالمة مسربة، يكشف فيها عن صفقة فساد ضخمة. الشوارع ضجت بالصراخ، ليس خوفًا… بل غضبًا.

كريم أدرك أن سامي لم يكن يريد القتل، بل إسقاط النظام من الداخل.

لكن قبل أن يفهم إن كان هذا خيرًا أم شرًا، شعر بإبرة تخترق رقبته.

آخر ما رآه قبل أن يسقط أرضًا… كان سامي يهمس في أذنه:

— “حين تستيقظ… ستكون لاعبًا أساسيًا.”

 

---

 

 

---

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

1

متابعهم

1

متابعهم

1

مقالات مشابة
-