وانا لوحدي في الظلام

وانا لوحدي في الظلام

0 المراجعات

وأنا لوحدي في الظلام

لم يكن الظلام يومًا عدوي، بل كان الصديق الوحيد الذي لم يخذلني. حين ينطفئ كل شيء من حولي، أجدني أتنفّس بعمق، وكأن روحي تذوب في السكون. أنا هنا، وحيد، بلا صخب ولا وجوه، أعيش في عزلةٍ اخترتها، أو ربما هي التي اختارتني.

منذ طفولتي، عرفت أني مختلف. لم أجد راحتي في ضوء النهار، ولا في أصوات البشر المزدحمة. كنت أهرب من ضحكاتهم، من أسئلتهم، من نظراتهم التي تفتش في داخلي عن شيء لا أملكه. كنت محرومًا من أشياء كثيرة: حنان العائلة، دفء الأصدقاء، وحتى أبسط معاني المشاركة. لم أتعلم كيف أفرح مع الآخرين، لكني تعلمت كيف أصادق الليل، وكيف أفتح قلبي للظلام.

في غرفتي الصغيرة، حين يهدأ كل شيء، أجلس على سريري وأتأمل الجدار المظلم. لا أحتاج إلى ضوء، فالعتمة تمنحني رؤية أعمق مما يراه المبصرون. أسمع دقات قلبي كأنها موسيقى خفية، وأشعر بأنفاسي تختلط بالهواء البارد. هنا، في هذا الصمت، أكتشف نفسي من جديد.

الظلام بالنسبة لي ليس فراغًا، بل عالم كامل. فيه أرى ماضٍ فقدته، وأحلامًا لم تتحقق، وأشخاصًا رحلوا ولم يعودوا. فيه أتحدث مع نفسي بلا خوف، وأكتب كلماتي على الورق، كلمات لا يقرأها أحد سواي. ربما يراها الآخرون حروفًا عابثة، لكنها بالنسبة لي اعترافات روح تائهة.

أحيانًا أسأل نفسي: هل اخترت العزلة، أم هي التي فرضتني على ذاتي؟ الحقيقة أنني لا أملك جوابًا. ما أعرفه أنني وجدت في الوحدة أمانًا لم أجده في الرفقة، ووجدت في الظلام صدقًا لم أجده في الضوء.

الناس يهربون من العتمة لأنها تذكّرهم بخوفهم، أما أنا فأهرب إليها لأنها تحتضن ضعفي. هناك، لا أحد يحاسبني، لا أحد يسألني، ولا أحد يتوقع مني شيئًا. في الظلام، أكون كما أنا: إنسانًا مثقلًا بالحرمان، لكن قلبه ما زال ينبض بالحياة.

ومع كل فجر يقترب، أشعر أن عالمي الحقيقي يتلاشى، وأن عليّ أن أعود لمواجهة النهار. ومع ذلك، أبقى متمسكًا بالليل، كمن يتمسك بآخر خيط نجاة.

أنا لست بطلًا في قصة، ولا ضحية في حكاية. أنا فقط إنسان عاش ويعيش وحيدًا، يجد في الظلام عزاءه الوحيد.

وأنا لوحدي في الظلام... لا أحتاج إلا لهذا السكون، ليخبرني أنني ما زلت موجودًا. عاشق الظلام

في إحدى المدن المزدحمة، حيث الأضواء لا تنطفئ ليلًا ولا نهارًا، كان يعيش شاب يُدعى “آدم”. لم يكن مثل غيره من الناس الذين يطاردون الضوء ويبحثون عن ضجيج الحياة. كان يفضل شيئًا مختلفًا تمامًا… الظلام.

حين تغرب الشمس، ويغطي الليل الشوارع، كان قلب آدم ينتعش. لا يجد راحته بين الزحام ولا بين الكلمات الكثيرة، بل يجدها حين يختفي كل شيء، ويتركه الليل في حضنٍ هادئ.

الناس من حوله كانوا يتعجبون: كيف يمكن لإنسان أن يعشق العتمة؟ كانوا يظنون أن الظلام رمزٌ للخوف، لكنه بالنسبة له كان موطن الأمان. في الظلام لا أحد يراه، ولا أحد يحاكمه، ولا أحد يطالبه بشيء. كان يشعر أن العتمة تخبئ ضعفه وتحتضن وحدته.

آدم كان محرومًا من أشياء كثيرة: لم يعرف الدفء العائلي، ولا الأصدقاء الذين يملأون فراغ الروح. لكنه لم يندب حظه، بل صنع من وحدته عالمًا خاصًا. في الليل كان يجلس قرب النافذة، يراقب السماء السوداء والنجوم البعيدة، ويتحدث مع نفسه كما لو كانت صديقته الوحيدة.

كان يقول دائمًا: "في الضوء أبدو غريبًا… لكن في الظلام، أنا نفسي."

وهكذا عاش آدم بين الناس لكنه بعيد عنهم، وفي النهار كان يبتسم ابتسامة صغيرة ليخفي ما بداخله، وفي الليل يعود إلى عالمه الحقيقي، حيث السكون والظلال. هناك فقط كان يشعر أنه حي.

 

 

 

 

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

1

متابعهم

1

متابعهم

1

مقالات مشابة