
ما بين الماضي والمستقبل
الفصل الثاني
أخذت نفساً عميقاً وتبعت السكرتير ليقودها إلى غرفة المقابلة طرق الباب ودخل ودخلت من بعده لتجلس على كرسي مقابل لطاولة كبيرة خلفها ثلاث كراسٍ ،وها هو يجلس على الكرسي الأوسط يركز عينيه على الأوراق أمامه أجل هو ابن رئيس شركة حمدان إنه معاذ سعيد حمدان ،قطع رُهاب اللحظات الأولى كلمات أكبر واحد فيهم ويبدوا أنه في العقد الخامس من عمره قائلاً:
_كيف حالك ي جوري
رددت بود وصوت خفيض "الحمد لله "
رفع حينها رأسه عن الورق ونظر إلي نظرة خاطفة ،كانت نظرة لثوانٍ معدودة لكنني شعرت أنها ستحرقني ،تنفست الصعداء حين لم يتعرف علي وشعرت براحة غامرة ،يبدوا أن اليوم سيمر بسلام ،ليكمل الرجل قائلاً
_أنا المهندس عمّار حمدان ،أهلاً بكِ في شركتنا ،فلتعرفي عن نفسك في البداية
أخذتُ نفساً عميقاً وأجبت :
"أنا جوري عماد الأغا ولدت ونشأت في الخارج درست في جامعة يوسيفام وعملت بدوام جزئي خلال فترة دراستي في شركة future وبعد تخرجي واصلت العمل معهم إلا أن عدنا إلى الوطن فاضطررت إلى تركهم
حينها سأل معاذ:
وهل كنتِ مرتاحة معهم؟
=أجل، كنا نعمل ضمن فريق وبما أنني كنت أصغرهم وأحدثهم في الشركة فبدايتي لم تكن صعبة ،إذ ساعدوني كثيراً
■لا أقصد هذا ،وإنما أقصد حجابك
سكت لبرهةٍ فأكمل سريعاً
■في دولة مثل تلك من المؤكد كان صعباً بقاؤك في الحجاب خاصة مع العنصرية المتزايدة هذه الأيام
أجبت بثقة : “ كلامك صحيح ولا أنفي أنني تعرضت للعنصرية والتنمر ومن بعض أعضاء فريقي في شركتي السابقة لكن هذا ليس بعائق أمام عملي إذ أني تأكدت قبل انضمامي للشركة أنها لا تُمانع الحجاب ،وعلى الرغم من العنصرية إلا أنه في مجال العمل الغلبة للأكفء ،إذ من الأشياء الجيدة هناك أنه لا مكان للواسطة”
سكت قليلاً ثم أكملت:" وليس ديني بالهش لأضعف أمامهم حتى من كان لا يطيق رؤيتي في البداية لديني ،قال لي في حفل توديعي أنني عكست أروع صورة لأروع دين ،تحملت كثيراً من عنصريتهم إلا أنهم في قرارة نفسهم يعلمون أننا أفضل الأقوام بديننا"
■وما الذي دفعكم للعودة؟
ابتلعت غصة في حلقي وقلت:"بعض الظروف الخاصة"
عاد للأوراق أمامه وأكمل المهندس عمّار :
_تبعاً لمعلوماتك أمامي فأنت من سكان العاصمة،إلا أنني أريد أن أسألك لمَ اخترتِ شركتنا بالتحديد فخبرتك تؤهلك للانضمام للعديد من الشركات الأخرى والتي قد تقبل بك وبدون أي مقابلات أو اختبارات
●هذا صحيح ،إلا أن فريقي تعامل مع شركتكم قبل عامين في الشراكة معكم، وكنت المسؤولة من الفريق على التواصل مع مندوبكم وقتها، ورأيت أن للشركة رؤية واضحة للعمل في مجال البرمجة
_اه ومن كان المندوب وقتها؟
كان من الواضع أنه يريد اختبار معلوماتي إلا أنني يستحيل أن أنسى معلومات مثل هذه الشراكة
●المهندس مصعب حمدان
_هذا صحيح ،إنه ابني ،إذاً نشكرك على وقتك الثمين وسنتواصل معك بشأن المقابلة
شكرتهم بود وانصرفت ،خرجت من غرفة المقابلة وأنا أتنفس الصعداء ،لا أصدق أن المقابلة مرت بسلام وأنهم لم يتعرفوا علي ،لكنني لم أتوقع أن أجد عمه أيضاً ، وأن ذاك مصعب هو ابن عمه وليس أخيه
“جوري”
التفت لأرى من ينادي علي فإذا بتلك الثرثارة التي قابلتها قبل المقابلة ،ابتسمت لها واقتربت منها،فقالت"ها بشري ما الأخبار؟"
فأجبتها باقتضاب :"مقابلة شكلية يبدوا أن القبول مبني على الاختبار فقط وهذه المقابلة شكلية"
“نجوى ماجد عوض الله”
فأجابت:"هذه أنا"
ودعتني وذهبت لمقابلتها وخرجت أنا من المبنى لأعود إلى المنزل
_________________________________________
تركته ينهي مابيده وسبقته فليس لدي خُلق لأسمع محاضرات ،لكنني تفاجأت مما رأيت فقد كان هناك عدد هائل ينتظر عند مصعد الموظفين للنزول ،سألت أقرب شخص علي:
_معذرة، ولكن هل انتهت مقابلات العمل اليوم؟
●لا ،ليس بعد
_اه ،هذا جيد
ليأتيني صوته من الخلف
=لهذا إذاً أردت الخروج اليوم بشدة ،تريد أن تأخذ راحتك
وما أن جاء عندي حتى قال
=جوري!! كيف حالك
حتى التفت عليه الفتاة وقالت
●أهلا مصعب،الحمد لله
=هل جئتِ من أجل مقابلات العمل؟
●أجل
=بالتوفيق، هذا ابن عمي صهيب
_أهلاً فيك،أتمنى التوفيق لك
●شكراً
وما أن فتح مصعد الموظفين حتى قالت
●عن إذنكم
=تفضلي
وما أن ذهبت حتى قلت
_ومن هذه؟
=كان هناك بيننا عمل مع شركة future ،يبدوا أنها تركت العمل هناك
_اه عندما سافرت معك ،لكنني لا أذكرها
=وقتها ظننت أنك ستضع رأسك في عقلك وستذهب للعمل ،لكن كان علي أن أعلم أنك ذهبت لتصيع
_من قال أني كنت أصيع كنت أنوي مقابلة عميل مهم
=ولهذا قبضوا عليك في ديسكو
_قلت لك لأقابل العميل ،لكن كان يعمل في غسيل الأموال ولم يكن عمله شرعياً
=أعرفها هذه القصة
_ حسناً هيا لا نريد أن نتأخر ،لنعود قبل انتهاء المقابلات
=وإلى أين ستأخذنا؟
_لا عليك اتركها لي وسأفاجئك
=أخاف من مفاجآتك
_________________________________________
نور
ركبت سيارتي واتجهت إلى حيث اتفقنا ،عند وصولي صففت سيارتي في كراج الكافتيريا ،وخلعت حجابي وساعدني على هذا زجاج السيارة السوداء إذ يساعدني في تغيير ملابسي داخلها دون أن يراني أحد ،انتهيت من تسريح شعري وألقيت نظرة على نفسي في مرآة السيارة وحملت حقيبة يدي ونزلت من السيارة ،بنزولي من السيارة وإذ رأيت شابين يسيران بموازاتي إلى نفس الكافتيريا، أحدهما نظر إلي مطولاً ،على خلاف الآخر الذي لم يعرني أي اهتمام ،يبدوا الأول فريسةً سهلة
أسرعت بخطواتي لأسير أمامهم وكأني في عجلة من أمري ،فعلى كلٍ أنا كذلك فهم ينتظروني منذ مدة وبالفعل كانوا هناك يجلسون على أحد الكاولات المطلة على البحر مباشر ،كانت تواجهني إحدى صديقاتي فشرت إليها مبتسمة فابتسمت لي وقالت:
ها هي نور وصلت هيا لنطلب الطعام ليس هناك داعٍ لنتأخر أكثر
فردت إحدى الفتيات :لو تأخرتِ قليلاً كنا سنطلب من دونك
_لن تفعلوها ،وأتبعتها بمياعة واضحة عندما لاحظت أنهم جلسوا على الطاولة التي خلفنا:لن أهون عليكن
=حسناً ،هيا هيا لنسرع ماذا تودون أن تطلبوا؟
__________________________________________
صهيب
_تعال لنجلس هناك أمام البحر فالرياح هناك ترد الروح
نظر مصعب إلى مجموعة الفتيات هناك متهكماً
=الهواء هو الذي يرد الريح أم شيء آخر؟
_هاي لا تظلمني
=لا أظلمك؟!! هل تظن أنني لم ألاحظ أنك كنت تنظر طوال الطريق إلى تلك الفتاة
_اتركك من هذا الآن وهيا لنطلب بسرعة ونذهب قبل أن تنتهي المقابلات
أخذ يضحك ويقول
=لا أحد يستطيع أن يخيفك أكثر من جدي ومعاذ
_ماذا ستطلب؟
__________________________________________
ريم
وضعت الأطباق على الطاولة وثم صعدت إلى غرفتي أنتظر قدوم جوري لنضع الطعام، رتبت كتبي وفتحت مصحفي أتدبر صفحاته وأراجع ما حفظت اليوم في المسجد
حتى سمعت صوت سيارة جوري قد وصلت فنزلت لأساعد أمي في وضع الطعام....…
بواسطة: ظلام الحروف