مقالات اخري بواسطة Marina Talaat
مدينه الضباب الازرق

مدينه الضباب الازرق

0 المراجعات

 

في إحدى الليالي المقمرة، كانت "ليان" تسير على حافة الغابة الكثيفة، حيث تتشابك الأشجار وتخفي وراءها أسرارًا قديمة. لم تكن تعرف أن تلك الليلة ستغيّر مجرى حياتها للأبد.

منذ طفولتها، كانت تسمع حكايات عن "مدينة الضباب الأزرق"، مدينة أسطورية تظهر مرة كل مائة عام، مخفية خلف ستار من السحر. يقال إنها عامرة بالقصور الكريستالية، والأنهار المتلألئة التي تجري من نور، والطيور التي تغني بلغات البشر. لكنّ أحدًا لم يعد يومًا من هناك ليحكي ما رآه، فبقيت المدينة مجرد أسطورة يخشاها البعض ويطمع فيها آخرون.

حين وصلت ليان إلى ضفة النهر، رأت الضباب يتصاعد بلون غريب، أزرق كأنه وهج القمر ذائب في الماء. أحست بشيء يجذبها، كأن صوتًا يناديها من الداخل: “اقتربي... الباب يفتح الليلة.”

لم تتردد كثيرًا. قلبها المتمرد كان يبحث عن مغامرة، عن معنى يتجاوز حياتها البسيطة في القرية. عبرت النهر، ووسط الضباب شعرت أن الأرض اختفت تحت قدميها. لم تعد تسمع خرير الماء أو حفيف الأشجار، فقط سكون مهيب ونسيم بارد يحمل رائحة غريبة، خليط من ياسمين وبارود.

حين انقشع الضباب، وجدت نفسها أمام بوابة ضخمة من الكريستال، محفور عليها رموز مضيئة. لم تفهم معناها، لكن عينيها التقطتا مشهدًا لا يصدق: أبراج شفافة تمتد نحو السماء، طرقات مرصوفة بأحجار تشع نورًا، وبحيرة تحيط بالمدينة يسبح فيها أسماك مجنحة. إنها مدينة الضباب الأزرق... حقيقة، لا أسطورة.

دخلت ليان المدينة، لكن لم يكن هناك سكان كما توقعت. الشوارع خالية، الأبواب مغلقة، والقصور صامتة. شعرت أن المدينة تراقبها، أن كل حجر فيها ينبض بحياة غامضة. فجأة، سمعَت وقع أقدام خلفها. التفتت فرأت شابًا بملامح غريبة: عيناه بلون الفضة، وشعره الأسود يعكس بريقًا أزرق، كأنه ابن هذه المدينة.

قال لها بصوت عميق:

– “أخيرًا... لقد جئتِ.”

تراجعت ليان خطوة، لكن فضولها غلب خوفها. سألته:

– “من أنت؟ وما هذه المدينة؟”

ابتسم الشاب وقال:

– “أنا إيلان. وهذه المدينة ليست خالية كما تظنين. سكانها محبوسون... بين لحظة وأخرى.”

ارتجفت ليان، لم تفهم قصده. شرح لها أن المدينة كانت في الماضي مزدهرة، يحكمها حكماء يملكون سرّ الزمن. لكن أحدهم خان العهد، حاول سرقة قوة "الحجر الأزرق"، وهو قلب المدينة ومصدر حياتها. فُرضت لعنة جعلت الزمن يتوقف على أهلها، مجمدين داخل اللحظة الأخيرة قبل سقوط مدينتهم. وما تراه ليان مجرد قشرة، انعكاس للسحر.

قال إيلان:

– “أنتِ الوحيدة القادرة على كسر اللعنة، لأنكِ من نسل آخر من غادر هذه الأرض قبل مائة عام.”

ارتبكت ليان، لم تكن تدري أن دمها يحمل سرًا. لكنه مدّ يده نحوها، وأخذ يقودها عبر الممرات حتى وصلا إلى قاعة عظيمة تتوسطها كرة بلورية تتوهج باللون الأزرق. حولها تماثيل بشرية متجمدة في أوضاع مختلفة: امرأة تحمل طفلاً، شيخ يرفع كتابًا، وجنود بأسلحتهم. حين اقتربت ليان، أدركت أنهم ليسوا تماثيل... إنهم بشر حقيقيون متوقفون في الزمن.

قال إيلان:

– “الحجر الأزرق يحتاج إلى قلب نقي يلمسه ليعيد الزمن إلى مجراه. لكن احذري... إن لم يكن قلبك قويًا بما يكفي، فستحبسين معهم إلى الأبد.”

ترددت ليان، والخوف يعصف بروحها. لكنها شعرت أن هذه اللحظة هي قدرها، وأن الهروب لن يغيّر شيئًا. مدت يدها ببطء، وما إن لامست الحجر حتى انفجر نور هائل ملأ القاعة.

رأت صورًا تتوالى أمام عينيها: حروب قديمة، نهرًا من النيران، جيوشًا غريبة، ثم وجوهًا تبتسم لها وتدعها للثبات. قلبها كان يخفق بقوة، لكنها تذكرت أمها، قريتها، والبراءة التي ما زالت تبحث عنها في العالم. صرخت من أعماقها: “لن أستسلم!”

انفجر الحجر بوميض أزرق غمر المدينة بأكملها. سمعَت أصواتًا تعود، خطوات تتحرك، ضحكات تبعثرت في الهواء. التماثيل بدأت تتحرك من جديد، العيون تفتح، والأرواح تستيقظ. لقد تحررت المدينة.

لكن وسط ذلك، اختفى إيلان. بحثت عنه بين الناس، فلم تجده. حتى سمعت صوته يتردد في عقلها:

– “لقد انتهى دوري. كنت مجرد ظلّ حارس. الآن ستكملين أنتِ الطريق.”

دمعت عيناها، لكنها ابتسمت وهي ترى المدينة تعود للحياة. كان هناك أطفال يركضون، تجار يعرضون بضائع عجيبة، طيور مضيئة تحلق فوق الأسوار. شعرت ليان أنها وُلدت من جديد.

مرت أيام وليان تتعلم أسرار المدينة. أهلها رحبوا بها كمنقذة، وأخبروها أن أبواب المدينة ستظل مفتوحة لها وحدها، فهي الجسر بين عالمهم والعالم الخارجي. تعلمت القراءة في كتب الحكمة القديمة، وتدرّبت على استخدام الطاقة النقية التي يمنحها الحجر الأزرق.

لكنها كانت تعرف في قرارة نفسها أن كل شيء له ثمن. ذات ليلة، بينما كانت تتأمل القمر من شرفة قصر الكريستال، جاءها شيخ المدينة وقال:

– “لقد أنقذتنا، لكن اللعنة لم تنكسر تمامًا. هناك جزء من القوة ما زال طليقًا في عالمك. إن لم تعثري عليه، سيعود الخراب بعد مائة عام.”

أدركت ليان أن رحلتها لم تنتهِ بعد. بل بدأت للتو. المدينة لم تكن سوى بوابة لعالم أوسع، عالم ممتلئ بالأسرار والمعارك القادمة.

وفي صباح اليوم التالي، خرجت من بوابة الضباب الأزرق، حاملة في قلبها وعدًا: أن تجد الجزء المفقود، وأن تحمي التوازن بين العوالم.

كانت تعرف أن قريتها ستراها فتاة عادية، لكن في داخلها، صارت أكثر من ذلك... صارت حارسة الأزرق.

رفعت رأسها للسماء، ورأت غيمة صغيرة بلون أزرق تتبعها. ابتسمت وقالت:

"الرحلة لم تبدأ بعد .”

                اذا اعجبتكم هذه الرواية اكتبولي واعملكم جزء تاني منها ♥ 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

2

متابعهم

4

متابعهم

0

مقالات مشابة