المجموعة القصصية للروائي نجيب محفوظ كتاب"الجريمة".
نبذة عن الكتاب:
الكتاب عبارة عن مجموعة قصصية للروائي و الكاتب المصري نجيب محفوظ عبدالعزيز إبراهيم أحمد الباشا والذي عرف باسمه الأدبي “نجيب محفوظ”.
يحتوي الكتاب على قصص قصيرة و سهلة و سلسة و يتكون الكتاب من ثمانية قصص و مسرحية من فصل واحد، تتضمن كل قصة هدف و رسالة معينة تختلف عن الأخرى، ولكن كلها تشترك بنفس الأسلوب و طريقة الكتابة التي يستخدمها الكاتب حيث اننا نرى التشويق، الغموض، و الاسلوب المشترك في كل القصص. حيث اننا نبدأ رحلتنا في القراءة بالمسرحية التي تتكون من فصل واحد تحت عنوان “المطاردة” عابرين خلال الرحلة ب"تحقيق" و “الجريمة” متوانين في العبور لنقرأ “الطبول” و “العريس” و “ الحجرة رقم 12” و من ثم “ العري و الغضب" و "المقابلة السامية" و لنختتم مشوارنا في الرحلة بإبتسامة مليئة بالحزن “أهلا”.
قبل عدة ايام انتهيت من قراءة المجموعة القصصية التي قرأتها للكاتب المصري الكبير نجيب محفوظ بعنوان"الجريمة “ ، و هذه المجموعة القصصية لفتت انتباهي و شدتني إلى المواصلة في قراءة فن هذه القصص القصيرة، ثم اثبت لي الروائي نجيب محفوظ جدارته في سرد القصص و أبديت إعجابي بهذا الفن السردي الجميل ، إذ انه ليس من السهل من منظوري حصر تلك الأفكار الفلسفية و السياسية و النقدية و الإنسانية التي تقدمها هذه القصص القصيرة البسيطة و الإنتهاء منها بقصة جذابة و ملفتة و ممتعة قريبة الى قلب و عقل القارئ. دائمًا ما يكتب (نجيب محفوظ) واضعًا نُصبَ عينَيه إلى همومَ وطنه؛ همومَه السياسية و كذلك الاقتصادية و منها الاجتماعية، فجمع و كتب عن هذه الهموم كلها تحت سقف واحد و في المجموعة القصصية التي جمعَت ثمانية قصص و مسرحية واحدة، كلٌّ منها تحمل همًّوما مختلفًة، سرَد القصص بتَمعُّن و تأني.
يقدم نجيب محفوظ في هذه المجموعة القصصية الرائعة عدة قصص التي نشرت في طبعتها الأولى سنة ١٩٧٣ميلادية ثمانية قصص تتراوح احجامها بين العشر و الثلاثون صفحة و تتميز بتنوع و اختلاف مواضيعها اللتي تشمل القضايا البوليسية كالقصة الاولى التي تحت عنوان “تحقيق “ و تشمل عدة قضايا منها: التناقضات الاجتماعيه و النقد السياسي تحت عنوان “ الطبول “ ، “ العريس “ ، “ المقابلة السامية “ ، “ الجريمة “ و “اهلا” بالاضافة الى قصة تلك الفتاة الجميلة التي تحمل العنوان “ الحجرة رقم ١٢ “ كما انها تصنف بالمبالغة و الغير متوقع في أحداثها و تطرح علاقة الإسان و ارتباطه بالطبيعة التي حوله إلا إن الجامع الأساسي بين كل القصص الثماني هو الاسلوب القصصي الساخر و الممتع و الجميل بالإضافة إلى النقد السياسي و الإجتماعي.
للوصول إلى محتوى الكتاب يرجى الضغط على الروابط التالية:
هذه المجموعة القصصية معظمها تجمع تقييمات ناقدة و ساخرة بحال المواطن المصري كفرد و التغييرات الناجمة التي يحفل بها المجتمع المصري و الدولة المصرية ككل من بعد الثورة في عام ١٩٥٢ ، و في قصة “ العريس “ على سبيل المثال يقرر البطل في القصة التخلي اخيرا عن كونه أعزب ليواجه الحياة الزوجية عند تقدمه للزواج لإحدى الفتيات بالتغييرات في المجتمع الصغير الذي يعيش فيه هو و الذي يعطيه لنا الروائي نجيب محفوظ باسلوب ساخر حين يأتي متوسط في الخطوبة للمتقدم ليسأله عن بعض التفصيلات الماضية اللتي أثارت حفيظة والد خطيبته ، و كان شاب يعود إلى نفسه بعد الحوارات الممتعه مع الوسيط حين يحاول الدفاع عن نفسه و عن ماضيه لكي يتفكر في تعقيدات الزواج و هوس التحقيق و التناقضات و التغييرات التي حدثت خلال العشرون سنة الماضية.
“ و فكرت ايضا فيما كان يأخذ على في الماضي من عدم الانتماء لحزب من الأحزاب ، و ما رميت به بسبب ذلك من تهم البلادة و قلة التربية الوطنية و غلبة العبث و التفاهة و الانانية و كيف انقلب ذلك قوة تزكيني في غمار التحريات التي تنهال علي منقبة المستور من خطاياي! “
و في مقطع آخر يقع هذا التحاور الجميل :
“ - و الخمر ؟
- اسمع و صدقني ، دائما كنت و مازلت معتدلا لم أفقد وعي الا مرة واحدة
- آل ميري لا يخافون الشراب بقدر ما يخافون عواقبة
- لم تكن ثمة عواقب وخيمة
- عابد ميري نفسه يشرب ، و هو يغني اذا شرب ، و لكن قيل له إنك طولت لسانك مرة على الاستبداد و انت فاقد الوعي!
- قلت لك إنني لم افقد الوعي إلا مرة واحدة
- ربما وقع ذلك في تلك المرة ، و عابد ميري يخاف ان يتكرر ذلك بعد ان تكون قد صرت زوجا و ابا ؟
- لا اساس لخوفة صدقني ، ثم لماذا تذكر تلك الزلة و تنسى مجاملاتي الطويلة للاستبداد و أنا في تمام وعي ؟! “
تضم و توضح هذه المجموعة في كل قصصها تقريبا بمثل هذه الحوارات الشيقة المفعمة بأنواع النقد و السخرية.
هذه المجموعة تتميز بكل قصصها تقريبا الا ان هناك قصتان مسلطة عليها الضوء و كانتا بالنسبة إلي في هذا الكتاب مميزتان و هما قصتا “الجريمة” التي تحمل المجموعة عنوانها و قصة “الحجرة رقم ١٢”. و في قصة الحجرة رقم ١٢ ، و التي هي القصة الثانية في المجموعة ، يخرج نجيب محفوظ عن واقعيته التي ألفتها الى شيء من المبالغة و اللامعقول في مجال استكشاف لآثار الطبيعة و تغيراتها على التجربة و ردود الأفعال الانسانية لمدير الفندق الحائر من أمره و كيف يواجه بالمجهول في خلال و اثناء زيارة امرأة غريبة لفندقه و التي تتزامن ايضا مع عاصفة قوية تضرب الفندق و ما في حوله .
اما في قصة الجريمة فيقدم لنا نجيب محفوظ نقد لاذع للانظمة و الشعوب العربية على بينما يعتبرها نجيب محفوظ شريك في صناعة الدولة العربية الحديثة التي تقدم الأمن و الاستقرار الوهمي على قيم الحرية و الديموقراطية و العدالة الاجتماعية. حيث ان تدور احداث القصة حول محقق يعود متخفيا كسائق تاكسي الى حيه القديم للاستكشاف و التقصي عن جريمة قتل غريبة وقعت من قبل خمس او اربع سنوات الا انه يواجه بطريقة غريبة جدا القضية الشديدة و تآمر جميع اهالي الحي من اغنياء و فقراء و رجال امن في التستر على ملابسات و احداث الجريمة. و تضم القصة كباقي المجموعة العديد من الحوارات ذات الطابع النقدي الساخر و كما ان هناك محاورات تحدث فيما بين المحقق المتخفي الذي يتهرب من الحي خوفا على حياته و بين مسؤول الامن الرسمي في الحي، و يلخص من خلالها نجيب محفوظ الواقع العربي و نتائجه التي نعيشها الآن .
“ وفي صحن المحطة شعرت بيد توضع على كتفي فالتفت متوثبا فرأيت الضابط. واقفا نترامق مليا حتى ابتسم قائلا:
- جئت اودعك بما تقضى بة اصول الزمالة
- شكرا
- و لم تترك التاكسي وراءك بلا سائق
- اتركه في ايد امينة
- ترى ما الملاحظات التي تمضى بها ؟
- إنكم لا تؤدون واجبكم !
- الناس لا يتكلمون
- اعلم ان ارزاق البعض بيد البعض الاخر و لكن الغضب يتجمع في الاعماق و للصبر حدود
- ما واجبنا في رأيك ؟
- أن تحققوا العدالة
- كلا
- كلا ؟!
- واجبنا هو المحافظة على الامن
- و هل يحفظ الامن بإهدار العدالة؟
- و ربما بإهدار جميع القيم !
- تفكيرك هو اللعنة
- هل تخيلت ما يمكن ان يقع لو حققنا العدالة؟
- سيقع عاجلا أو آجلا
- فكر طويلا بلا مثالية كاذبة ، قبل ان تكتب تقريرك ، ماذا ستكتب ؟
فقلت بامتعاض: سأكتب ان جميع القيم مهدرة و لكن الأمن مستتب ! “.