سر ضحكة مدينة "بهجة"
بهجة": المدينة الصامتة
في وادٍ سحيق، تقع مدينة "بهجة"، لكن اسمها كان نقيض حالها. لم يكن بها ضحك. كانت المنازل رمادية، والشوارع خالية، والوجوه عابسة. نُسيت النكتة، وتُرِك الفكاهة في طي النسيان. كان الناس يتحدثون فقط بالضروريات، وكل كلمة زائدة تُعد إهداراً للوقت. لم يكن هناك شيء اسمه "مزحة" أو "دعابة"، وكان الأطفال لا يعرفون صوت القهقهة، فقط همسات الجد والعمل. كان الخوف من المستقبل هو سيد الموقف.
ظهور "مُضحك" الغريب
في يوم من الأيام، وصل إلى المدينة رجل غريب الأطوار يُدعى "مُضحك". كان يرتدي قبعة ملونة وزي مرقعاً، ويحمل حقيبة مليئة بالكرات الملونة. أول ما فعله هو الوقوف في الساحة المركزية وبدأ يروي قصصاً قصيرة ذات نهايات غير متوقعة. نظر إليه الناس بحذر، ثم بفضول، فهلوسة ضاعت من عالمهم منذ زمن بعيد. لم يضحك أحد، لكنهم لم يبتعدوا أيضاً، بل ظلوا مصدومين من هذا السلوك الغريب.
كسر الجليد بالهراوات
أدرك "مُضحك" أن الكلمات وحدها لا تكفي. في اليوم التالي، لم يروِ قصصاً، بل بدأ يتظاهر بالتعثر في الهواء ثم يسقط على وسادة ضخمة أخفاها تحته. قام بحركات بهلوانية سخيفة، وحاول التحدث بلهجات مضحكة، وحول أي خطأ بسيط يرتكبه إلى مشهد كوميدي متعمد. بدأ طفل صغير لم يضحك في حياته يبتسم. كانت ابتسامة خجولة، لكنها كانت شرارة في بحر من الجليد.
أول ضحكة في الساحة
شجعت ابتسامة الطفل "مُضحك". اقترب منه وروى له نكتة بسيطة جداً عن قطة تطارد ذيلها. لم يكن الطفل يفهم النكتة بالمعنى الحرفي، لكنه فهم الإيقاع الغريب والطريقة المبالغ فيها التي ألقاها بها "مُضحك". فجأة، انفجرت ضحكة صافية، مدوية، مثل جرس كنيسة صدئ دق بعد سنوات من الصمت. كانت لحظة تاريخية. التفتت الوجوه العابسة نحو مصدر الصوت.
عدوى الفرح تنتشر
كانت ضحكة الطفل هي كلمة السر. بدأ الكبار بالضحك على ضحكة الطفل نفسه. شعروا بشيء قديم يعود إلى أجسادهم: خفة، راحة، شعور بأن الأمور ليست بالضرورة بهذا السوء. بدأت الجدة "عجيبة" - التي لم تبتسم منذ عقود - تروي نكتة قديمة سمعتها في طفولتها. كانت نكتة سخيفة، لكنها أضحكت الجميع. انتشر الضحك كالنار في الهشيم، من الساحة إلى الأزقة والمنازل.
ازدهار مدينة “بهجة”
في غضون أسابيع، تغيرت مدينة "بهجة". أصبحت المنازل تزهو بالألوان، وأُعيد فتح المقاهي التي كانت مغلقة، وأصبحت النكتة هي العملة الجديدة. تعلم الجميع أن يرووا القصص المضحكة، وأن يتقبلوا الأخطاء بروح مرحة. لم يعد هناك خوف من السقوط، لأنه أصبح مادة للسخرية والضحك. أصبحت بهجة تُعرف حقاً باسمها، وبدأ الناس يأتون من مدن أخرى ليتعلموا سرّها.
إرث "مُضحك" الأبدي
بعد سنوات، رحل "مُضحك" بهدوء تاركاً خلفه مدينة تضج بالحياة. لم يكن إرثه بناءً أو مالاً، بل كان إرثاً من الخفة والمرونة. عرف أهل بهجة أن الضحك ليس مجرد تسلية، بل هو درع واقٍ ضد قسوة الحياة. النكتة هي فن تحويل الألم إلى ابتسامة. ومنذ ذلك اليوم، أصبح شعار المدينة: "لا تخف من السقوط، اضحك عليه." وظلت أصوات القهقهات تتردد في كل زاوية، تروي قصة الرجل الذي أعاد لهم الحياة بكراته الملونة وضحكته الصادقة.