
الماعز الذي ارتدى بدلة توكسيدو
مؤامرة السيد “مبقبق”
في قرية "البلهاء السعيدة"، التي اشتهرت ببطء أهاليها وعدد الماعز الذي يفوق عدد السكان، كان يعيش معز اسمه "مبقبق". لم يكن مبقبق معزًا عاديًا؛ كان يمتلك طموحًا عاليًا وشكوكًا قوية حول قيمة حياة الرعي. في إحدى الأمسيات، تسلل مبقبق إلى منزل رئيس البلدية، "عم حنكش"، الذي كان نائمًا بعمق بعد حفل زفاف فخم. لم يكن هدف مبقبق الطعام، بل كان هدفًا أرقى بكثير: دولاب ملابس عم حنكش. وجد مبقبق بدلة توكسيدو سوداء فاخرة، مع ربطة عنق فراشية حمراء زاهية. لم تكن بدلة التوكسيدو مناسبة تمامًا لمعز، لكن مبقبق، بعزيمته الصلبة، تمكن من ارتدائها بالكامل، مع تضحية بسيطة في شكل تمزق خفيف عند منطقة الذيل. استغرق الأمر منه ساعتين ومجهودًا يشبه عملية زرع قلب، لكنه نجح في النهاية. شعر مبقبق لأول مرة في حياته بأنه "أنيق" و"مهم". همس لنفسه: "الآن سأُثبت للجميع أن الماعز ليسوا مجرد آلات تقرض الحشيش".
ظهور “الخبير الاقتصادي المستنير”
في الصباح التالي، كانت القرية تستعد لعقد اجتماع طارئ لمناقشة أزمة اقتصادية خطيرة: نقص في إنتاج "جبنة الماعز المعتقة". فجأة، ظهر مبقبق، متقدمًا في خطوات واثقة، وهو يمضغ بعصبية طرف ربطة العنق. بمجرد رؤية التوكسيدو، ساد الصمت التام. ظنّ الأهالي، بنظرتهم البطيئة والساذجة، أن هذا الكائن "الأنيق" هو خبير اقتصادي دولي جاء للمساعدة. رفع مبقبق رأسه وصرخ بصوت معتاد (مُبكِكًا): "ببببببببب! بب-قبق! ببب!" بالنسبة للأهالي، كان هذا خطابًا عميقًا ومؤثرًا. هتف عم حنكش، الذي لم يلاحظ غياب بدلته بعد: "يا له من تحليل رائع! بقبق يعني بالضبط: 'يجب علينا تنويع مصادر الطاقة واستخدام الإبداع في التسويق الزراعي'". أصبحت نظرات الإعجاب موجهة لمبقبق، الذي كان يحاول فقط أن يطلب بعض الخس.
جلسة العمل الاستراتيجية الكبرى
دُعي مبقبق، أو "الدكتور بكبكة" كما أطلقوا عليه، لحضور جلسة عمل استراتيجية في مكتب رئيس البلدية. جلس مبقبق على المقعد الجلدي الوثير، بينما كان الجميع ينتظرون حكمته. كان مبقبق يشعر بالملل، فبدأ يتفحص الأثاث. رآه عم حنكش وهو ينظر بشدة إلى طاولة خشبية قديمة، فصرخ: "لقد وجد الحل! الدكتور بكبكة يشير إلى أننا يجب أن نبيع أصولنا غير المستغلة! هل تقصد بيع الطاولة، يا دكتور؟" أجاب مبقبق بـ "مباااااااء" قوية تعني "أريد فقط أن أقضم هذا الركن اللذيذ". اعتبرها الأهالي موافقة حماسية. ثم رأى مبقبق إبريق الشاي على الطاولة، فمد رقبته وحاول شرب الشاي المغلي. عندما سحب رأسه بسرعة، اعتقدوا أنه كان يمثل محاكاة لـ "ارتفاع الأسعار الجنوني". أصبح الدكتور بكبكة بطلاً اقتصادياً في نظر القرية، واجتاحت الشائعات عن عبقريته الأسواق المجاورة.
أزمة “ربطة العنق الحمراء”
كان مبقبق يخطط لمواصلة حياته الفاخرة الجديدة، لكن ربطة العنق الفراشية الحمراء تسببت في كارثة غير متوقعة. السيدة "مفتاح"، أقوى سيدة في القرية، كانت تعتقد أن اللون الأحمر يجلب الحظ السيئ للزراعة. في أحد الاحتفالات، أثناء إلقاء مبقبق (بكبكته) لـ "خطاب التحفيز"، اندفعت السيدة مفتاح نحوه حاملة مقص حدائقي ضخم وهي تصرخ: "يجب أن نطهر القرية من قوى الشيطان الأحمر!" حاولت قص ربطة العنق. تسببت محاولتها في مطاردة مضحكة ومحمومة حول ساحة القرية، حيث كان مبقبق يركض بحذائه الجلدي اللامع (نعم، استطاعوا أن يلبسوه حذاء)، والسيدة مفتاح تركض خلفه بمقصها العملاق. النهاية كانت عندما تعثر مبقبق وسقط في بركة طين. لحسن الحظ، ربطة العنق نجت، لكن التوكسيدو تحول إلى لون "البني الموحل الفاخر".
كشف الهوية المُذل
أثناء محاولة إخراج مبقبق من بركة الطين، انزلقت قفازات التوكسيدو التي كان يرتديها على يديه (أقدامه)، وظهرت حوافره المشعرة بوضوح. في تلك اللحظة، عم حنكش، وهو ينظر إلى بقعة من الطين على وجه مبقبق، أدرك أخيرًا أن "الخبير الاقتصادي الدولي" هو في الواقع المعز الذي كان يربيه. صرخ حنكش برعب ودهشة: "يا إلهي! مبقبق! أين بدلة التوكسيدو الخاصة بي؟! هل كنت أنت الذي تأكل أوراق الملفات الهامة في مكتبي؟" تجمهر الأهالي، وبدأوا يضحكون بهستيريا. لم يكن ضحكهم سخرية، بل ضحكًا على سذاجتهم المطلقة. اكتشفوا أنهم وضعوا ثقتهم ومصير قريتهم في يد معز.
تحويل الأزمة إلى دعاية
لم يكتئب عم حنكش كثيرًا؛ لقد كان بطيئًا جدًا لدرجة أن يستغرق الحزن شهرين ليصله. بدلاً من ذلك، قرر أن يستغل الموقف. في مؤتمر صحفي دولي (دعوا فيه صحفي واحد فقط من القرية المجاورة)، قدم عم حنكش مبقبق (الذي كان يرتدي الآن مريلة بدل التوكسيدو) كـ "أول خبير اقتصادي في العالم يثبت أن الأفكار لا تحتاج إلى شهادة جامعية، بل إلى حوافر وإرادة". أصبحت قصة "الماعز الاقتصادي" هي محور اهتمام العالم. تدفقت السياحة على قرية "البلهاء السعيدة". أراد الجميع رؤية الماعز الذي ارتدى التوكسيدو وحل أزمة الجبنة (على الرغم من أنه لم يحلها، بل أكل بعضها).
نهاية العبقري بسلام
عاش مبقبق بقية حياته كـ "نجم" القرية. تم بناء تمثال له في الساحة الرئيسية وهو يرتدي التوكسيدو الطيني. تعلم عم حنكش ألا يترك ملابسه الفاخرة في متناول حيوانات المزرعة. أما مبقبق، فقد تقاعد عن العمل الاقتصادي، واكتفى بدور "الرمز الملهم". كانت نهايته سعيدة وبطريقة مضحكة: في أحد الأيام، بينما كان يلقي خطابه المعتاد ("مبااااء") أمام حشد من السياح، انحنى ليلتقط ورقة مبللة من الأرض، ووجدها ورقة يانصيب رابحة بقيمة ضخمة. هكذا، حل مبقبق الأزمة الاقتصادية للقرية فعليًا، ليس بعبقرية، بل بورقة يانصيب رطبة. وعندما سألوه عن خططه، قال (بقبق): "بببب! بب-قبق!"، وهي جملة فسّرها عم حنكش على أنها: "سأستثمر في مشروع تجاري للتوكسيدو مقاومة للماء والوحل."