صندوق الذاكرة الضائعة
1) الرسالة الأولى
لم تكن ليلى شوقي تتوقع أن يبدأ يومها برسالة غريبة وصلت إلى بريدها الإلكتروني من عنوان مجهول. حملت الرسالة جملة واحدة: "ابحثي في المكان الذي نسيكِ فيه الجميع." أثارت الكلمات فضولها، خاصة أنها تعمل باحثة في قسم التاريخ بجامعة مرموقة، معتادة على الألغاز القديمة والوثائق الغامضة. لكنها شعرت أن هذه الرسالة شخصية جدًا، وكأن أحدًا يعرف تفاصيل حياتها أكثر مما يجب.
2) العودة إلى بيت الطفولة
قررت ليلى أن تتبع الإشارة الوحيدة التي فهمتها: بيت العائلة القديم في قرية نائية. وصلت بعد ساعات من السفر، لتجد البيت كما تركوه منذ سنوات، تتراكم عليه طبقات من الغبار. أثناء تجوالها في الداخل، لاحظت صندوقًا خشبيًا صغيرًا تحت السلم لم تره من قبل. كان مغلقًا بقفل صدئ، لكن الطراز يوحي أنه صُنع خصيصًا لأحد أفراد عائلتها. شعرت أن شيئًا ما ينتظرها داخله.
3) الصندوق ودفتر الظلال
بعد محاولات عدة، تمكنت ليلى من فتح الصندوق، لتجد بداخله دفترًا أسود مغطّى برموز غريبة. على الصفحة الأولى، اسم والدها الراحل، رغم أنها كانت تؤمن دائماً أنه رجل منطقي لا يؤمن بالخرافات. احتوى الدفتر على مذكرات عن "ظلال تتبع البشر" و"أيام مكررة" و"أشخاص يختفون من التاريخ". كانت كلمات والدها تصف أحداثًا لا تُصدّق، لكنها أيضًا تحمل تحذيرًا صريحًا: "إذا وجدتِ هذا الدفتر، فأنتِ التالية."
4) الغريب الذي بلا ظل
بينما تقرأ ليلى تلك الصفحات المضطربة، لاحظت من النافذة شخصًا يقف أمام البيت. لم يتحرك، لم يطرق الباب، فقط يراقب. عندما خرجت لتكلمه، اختفى فجأة، وكأن الأرض ابتلعته. لكن أكثر ما أرعبها أنها لم ترَ له ظلًا. تذكّرت كلمات والدها في الدفتر: "الذين بلا ظل… ليسوا من عالمنا، ويتعقبون من يقترب من الحقيقة أكثر مما يجب."
5) دوامة الزمن المنسي
في اليوم التالي، لاحظت ليلى أن بعض الأحداث تتكرر بشكل غير منطقي: نفس السيارة تمر أمام البيت، نفس القط يعبر الطريق، نفس الرياح تعصف بالنافذة بنفس اللحظة. أدركت أنها محاصرة في دائرة زمنية، وأن الدفتر ربما كان المفتاح لكسرها. حاولت تتبع تعليمات مكتوبة في آخر الصفحات، التي تلوّح بأن الخروج من الدائرة يتطلب "معرفة من يكتب الزمن… ومن يمحوه."
6) اللقاء مع كاتب الزمن
عند منتصف الليل، ظهر الرجل بلا ظل داخل المنزل، وكأنه خرج من الهواء. تحدث بصوت هادئ:
"أنتِ كسرتِ الصمت الذي صنعناه. هذا الدفتر لم يكن لكِ."
حاولت ليلى مواجهته، فسألته عما يريد، فأجاب:
"أنا لست عدوك… بل حارسك. كان يجب أن تنسي. لكنك اخترتِ التذكّر."
ثم أشار إلى الدفتر، الذي بدأ يلمع وكأنه يحترق من الداخل.
7) النهاية غير المتوقعة
استيقظت ليلى فجأة في مكتبها بالجامعة. لا بيت قديم، لا رجل بلا ظل، لا دفتر أسود. أمامها فقط شاشة الكمبيوتر، وعليها ملف مفتوح بعنوان: "المشروع: محاكاة تأثير الذاكرة في البيئات الافتراضية."
صُدمت عندما قرأت في التقرير أن التجربة كانت لاختبار قدرتها على التمييز بين الواقع والمحاكاة. لكنها رأت في زاوية مكتبها شيئًا جعل دمها يتجمد: صندوق خشبي صغير… نفس الصندوق.
وعندما فتحته، وجدت الدفتر الأسود… هذه المرة بدون اسم.
وصفحة جديدة كُتب فيها:
“لم تكن تجربة… كنتِ أنتِ من تُراقبين.” 