نداء الورق الجزء الثاني
الفصل الثالث – الكتاب الغامض
استيقظت نديم متأخرة كالعادة، ارتدت أول ما وقع في يدها، وحملت حقيبتها مسرعة، مغادرة المنزل في سرعة أدهشت والدتها.
في الطريق، صادفت سلمى، التي اقترحت أن يحضرا المحاضرة أولًا قبل التوجه إلى بائع الكتب.
وافقت نديم بتردد، ومرت ساعتان كأنهما دهر، حتى خرجتا أخيرًا من الجامعة متجهتين نحو الرجل الذي كان يجلس على الرصيف، محاطًا بكومة كتب مستعملة.
تجمدت نديم في مكانها، هامسة بسخرية:
– “أهذا هو بائع الكتب؟”
ابتسمت سلمى وقالت:
– “لا تحكمي على شيء من مظهره. جرّبي فقط.”
اقتربت نديم بخطوات مترددة، وقدمتها سلمى للبائع، موضحة أنهما تريدان بيع بعض الكتب وشراء أخرى.
وافق الرجل، وظهر على وجهه الغموض، ككتاب قديم لا يمكن قراءة عنوانه.
بدأت نديم تتفحص الكتب المكدسة على الأرض، وشعرت بالأسف لرؤية تلك الكتب وكأنها مهملة وفقدت قيمتها.
وقعت عيناها على أكثر من كتاب جذب انتباهها، لكنها أخفت حماسها.
سلمى، بنفاد صبر، سألتها:
– “أين الكتب التي ستبيعينها؟”
أخرجت نديم بعض الكتب من حقيبتها، فعاينها البائع وأعطاها ثمنًا ضئيلًا. حاولت الاعتراض، فأجاب ببرود:
– “سعر الكتاب لا يحدده الغلاف، بل قيمته.”
استسلمت نديم، وبدأت تستفسر عن أسعار الكتب الأخرى، حتى وقع نظرها على كتاب غامض.
كان غلافه أسود باهت وحروفه بالكاد تُقرأ، ويبدو أقدم من بقية الكتب.
سألت البائع عنه، فأجاب بابتسامة خفيفة:
– “هذا الكتاب ليس للبيع، ولا أعلم كيف وصل إليّ.”
وضعه جانبًا، لكن عيني نديم بقيتا معلقتين به، كأن الكتاب يناديها بصوت خفي.
وأثناء حسابها للكتب التي اشترتها، لم تستطع مقاومة الفضول. بهدوء، سحبت الكتاب من خلفه وأخفته في حقيبتها بين الكتب الأخرى.
انطلقت مبتعدة، لكن صوت البائع لحقها:
– “هل تعتقدين أن الفضول لا يقتل؟”
توقفت للحظة، ثم أجابت بصوت مرتجف:
– “ربما…”
واصلت سيرها بخطوات سريعة، وقلبها يخفق بعنف، بينما همس صوت داخلي: “سأعود له لاحقًا… بعد أن أقرأه.”
في المساء، جلست في غرفتها وأغلقت الباب، أخرجت الكتاب برفق وتأملته بدهشة.
ضحكت بخفوت:
– “سرقت كتابًا… هل فعلت هذا حقًا؟”
لكن كلمات البائع رجعت لتطاردها، فشعرت بالقشعريرة.
أبعدت الفكرة، وقررت النوم قليلًا لتقرأه في اليوم التالي.
نامت نديم نومًا مضطربًا، وكأن الكوابيس تتسلسل حولها.
رأت ظلالًا تتحرك، وأجسادًا بلا ملامح، ككائنات ضبابية تراقبها من بعيد.
استيقظت فزعة عند الواحدة صباحًا، وجوع غريب دفعها إلى المطبخ لتعبث بالأواني، تملأ طبقها بلا وعي، ثم عادت إلى غرفتها.
أمسكت الكتاب وهمست:
– “الآن… حان الوقت.”
فتحته ببطء، ففاحت رائحة عتيقة كغبار قرون.
كانت صفحاته ثقيلة، كجلدٍ قديم، والحروف مكتوبة بلون أحمر قاتم يشبه الدم.
تسارعت نبضات قلبها، وأدركت الحقيقة… لقد سرقت كتاب سحر.
اشتعل في داخلها حماس غريب، واستحضرت كل الروايات عن العوالم الخفية.
همست لنفسها:
– “لم لا؟ قليل من الفضول لن يضر.”
قلبت الصفحات، وقرأت عن قبائل الجن وأنواعهم، وصور لكائنات قصيرة وطويلة، بعضها يشبه البشر.
وفي نهاية الكتاب، وجدت قسم التحضيرات، فاختارت طريقة عشوائية.
بدت سهلة، تحتاج إلى قربان، شموع، وبعض الأدوات.
ابتسمت بخفة وأغلقت الكتاب:
– “غدًا… سأفعلها حين أكون وحدي.”

…
يتبع---