نداء الورق الجزء الأول
نداء الورق
الفصل الأول
كانت نديم فتاة عشرينية، ممددة على سريرها، بينما خيوط الشمس الأولى تتسلل من خلف الستائر، تداعب عينيها المتعبتين.
حاولت أن تستيقظ، لكن دفء الوسادة كان أحنّ من ضوء الصباح، إلى أن اخترق صوت أمها هدوءها المعتاد:
> “لماذا لم تستيقظي بعد؟ الظهر على وشك الأذان، وأنتِ ما زلتِ في السرير! يا خيبتي، كل بنات الجيران تزوجن، وأنتِ... أنتِ! يا ربي، لِمَ ابتليتني بهذه الفتاة؟”
كانت تلك الكلمات تتكرر كل صباح كجرس منبّه مزعج حفظته نديم عن ظهر قلب، لكنها لم تعد تملك طاقةً للرد.
تنهدت وسحبت الوسادة فوق رأسها محاولة أن تحجب العالم بأسره، غير أن الباب فُتح بعنف، ودخلت أمها كعاصفة لا تهدأ.
قالت وهي توبّخها بنبرة غاضبة:
> “متى نمتِ لتستيقظي قبل الظهر؟ حتى فروضك نسيتها، ومتى آخر مرة صليتِ فيها؟ لقد تعبت منكِ! ليس لكِ سوى تلك الروايات التي ملأت عقلك بالتفاهات. لا أعلم كيف يرضى والدكِ بهذا الحال!”
رفعت نديم رأسها بضجر وقد ضاق صدرها حتى فاضت:
> “كفاااا! ماذا تريدين مني؟ أن أتزوج؟ أنا لا أريد الزواج!”
ثم اندفعت نحو الباب وخرجت بسرعة، أغلقت باب الحمام خلفها بقوة، بينما كانت أمها تضرب كفًّا بكف، تتمتم بأسى:
> “لم أفلح في تربيتها...”
مضى اليوم على هدوءٍ متوتر، صمت متبادل وكأن شيئًا لم يحدث.
وعندما عاد والد نديم وأخوها من عملهما، جلست العائلة على العشاء، ولم تفوّت الأم الفرصة لتشكو حال ابنتها.
لكن الأب اكتفى بنظرةٍ باردة وقال بهدوءٍ متعمد:
> “دعيها وشأنها، أنتِ تبالغين.”
لم تزد الأم حرفًا، لكنها أطلقت تنهيدة طويلة كأنها استسلمت لخيبتها.
---
الفصل الثاني
في صباح اليوم التالي، استيقظت نديم باكرًا على غير عادتها، عازمة أن تغيّر شيئًا من فوضاها اليومية.
لكن الزمن لم يكن في صفها، فتأخرت كعادتها.
وعندما وصلت الجامعة، كانت المحاضرة قد بدأت.
سلّمت على صديقتها سلمى وجلست إلى جوارها، تقاوم النعاس والملل.
مرّ الوقت ببطءٍ خانق، وحين انتهت المحاضرة، خرجت وهي تتنفس الصعداء.
قالت لسلمى بتأفف:
> “أظنني سأموت من طولها، ولم أفهم شيئًا أصلًا.”
ضحكت سلمى، ثم تغيّر وجهها وهي تسمع نديم تشكو من نفاد نقودها وعدم قدرتها على شراء كتب جديدة.
قالت:
> “بيعي بعض كتبكِ القديمة، واشتري بثمنها غيرها.”
اعترضت نديم على الفور:
> “مستحيل! لا أستطيع، كل كتبي عزيزة عليّ.”
رفعت سلمى حاجبها ضاحكة:
> “حتى الكتب المملة التي لم تكمليها؟”
صمتت نديم لحظة، ثم تنهدت:
> “ربما... مع أني لا أحب فكرة التخلي عنها.”
بعد إلحاح من سلمى، وافقت أخيرًا على بيع بعض الكتب، وأخبرتها أنها تعرف رجلًا يتاجر بالكتب المستعملة.
اتفقَتا على الخروج صباح الغد للقاء البائع.
وفي المساء، جلست نديم بين أكوام كتبها، تتأملها وكأنها تختار أيّ طفلٍ ستتخلى عنه.
كانت الكتب عالمها الوحيد، نافذتها التي تهرب منها من واقعها الممل وصوت أمها المتكرر.
وقبل أن يثقلها التعب، ألقت جسدها على السرير وغرقت في نومٍ هادئ.
يتبع-----
