مقالات اخري بواسطة Ahmed
لم تكن مقبره عاديه

لم تكن مقبره عاديه

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

 

image about لم تكن مقبره عاديه

 

القصة

 كان يوسف، طالب الآثار، متحمساً لاكتشافه في ذلك الموقع القديم. قناع صغير من العظام، منقوش عليه رموز غريبة. وجده بجانب هيكل عظمي لطفل، في مقبرة تعود لحضارة منسية.

القناع لم يكن للارتداء. بل كان أداة للاستماع.

القاعدة كانت بسيطة ومروعة. يضع القناع على وجه جثة حديثة الوفاة، فيسمع آخر ذكرى اختزنت في عقلها قبل الموت.

في البداية، كان الأمر مذهلاً علمياً. سمع ذكرى موت عجوز كانت تتذكر ابنها. ثم ذكرى شاب مات في حادث، وكان آخر ما رآه مصابيح السيارة المقبلة. لكن الشغف تحول إلى إدمان. أصبح يوسف يتردد على المشافي ومشارع الحوادث، متلهفاً لسماع تلك اللحظات الحميمة بين الحياة والموت.

ثم جاءت الجثة التي غيرت كل شيء.

كانت لشابة انتحرت بقفزها من شرفة. عندما وضع القناع على وجهها الشاحب، سمع شيئاً مختلفاً تماماً.

لم تكن ذكرى بصرية أو سمعية. كانت إحساساً. إحساساً بيدين خنقتاها بقوة قبل أن تقفز. لم تنتحر. لقد قُتلت.

لكن الصدمة لم تكن في هذا الاكتشاف. بل فيما حدث بعد ذلك.

فجأة، أحس بيدين تخنق عنقه. هواءه انقطع. كان يحاول الصراخ لكن لا صوت يخرج. رأى ظلاً أسود يتحرك في الغرفة. ثم فجأة توقف كل شيء. اختفت اليدان. كان وحده في الغرفة، يرتجف.

أدرك فظاعة ما يحدث. القناع لا يسمعه فقط بذكرى الموتى. بل يجلب هذه الذكرى إلى حيز وجوده. إنه يستدعي لحظة الموت نفسها لتعيشها معه.

والآن، القناع يلاحقه.

لا يستطيع التخلص منه. حاول رميه في النهر، وعاد ليجده على وسادته في الصباح. حاول تحطيمه، لكن الفأس انزلق من يده وكاد يقطعها. القناع تعلق به.

والكوابيس لا تتوقف. كل ليلة، يموت مئات المرات. يختنق، يغرق، يطعن، يسحق. يستيقظ وفي جسده الآلام الحقيقية للجروح التي لم يكن يجب أن تكون موجودة. رأى في المرآة كدمات على عنقه، وجروحاً على صدره.

فالأموات الذين استمع لذكرى موتهم أصبحوا يرونه. يلمح وجوههم في الزحام، واقفين في نهاية الممر في الظلام، محدقين به بتهمة صامتة. هم غاضبون لأنه اقتحم قدسية موتهم. وهو يعلم أن إحدى هذه الذكريات المستدعاة سوف تكون الأخيرة. سوف تنجح في قتله حقاً هذه المرة.

وهو لا يعرف أي ذكرى ستكون القاتلة. هل هي ذكرى الخنق؟ أم الطعن؟ أم الغرق؟

في هذه الليلة، بينما يجلس وحيداً في غرفته، يشعر ببرودة مفاجئة. رائحة ماء النهر تفوح في الغرفة. وهمس شيئ في  أذنيه.

هذه المرة لن نتركك تستيقظ.

بينما انتشرت رائحة ماء النهر الكريهة في الغرفة، شعر يوسف بندى بارد يبلل ملابسه. لم يكن الماء متخيلاً هذه المرة؛ لقد كان حقيقياً. بدأت بركقة صغيرة تتشكل تحت قدميه، ثم ارتفعت بسرعة حتى وصلت إلى كاحليه.

"هذه المرة لن نتركك تستيقظ."

همس الأموات كصدى من الأعماق. نظر يوسف حوله بذعر، فرأى الظلال تتجمع في زوايا الغرفة، تتخذ أشكالاً بشرية مريعة. عيون فارغة، أيدٍ ممتدة، وجوه مشوهة من جميع الذين اقتحم خصوصية موتهم.

هرب من الغرفة إلى الشارع المظلم، لكن الظلال تبعته. أدرك أنه لا يمكنه الهروب. القناع مرتبط بروحه، واللعنة ستلاحقه أينما ذهب.

عاد إلى شقته مرتجفاً، وأغلق الباب خلفه. كان الماء قد غمر الآن نصف الغرفة. في وسط البركة، طفٌل صغير يقف وظهره ليوسف. عندما استدار الطفل، رأى يوسف وجهه المشوه وعينيه الخاليتين من الحياة.

وقال ليوسف "أنت سرقت لحظتي الأخيرة"، همس الطفل بصوت أجش.

كانت هذه الجثة الأولى التي استخدم فيها القناع.

انحنى يوسف على ركبتيه، منهاراً. "سامحني، لم أكن أعرف"، ثم بكى. ولكن فات الأوان 

لأن الأموات لم يكونوا في حالة مزاجية للغفران. أحس يوسف بأيدٍ باردة تمسك بأطرافه وتسحبه إلى أسفل الماء الذي استمر في الارتفاع. حاول المقاومة، لكن القوة كانت كبيرة جداً.

تحت الماء، رأى وجوه جميع من استمع لموتهم. كانوا يحدقون به بكره وحقد. أحس برئتيه تمتلئان بالماء، بنفس الطريقة التي غرق بها العديد من ضحاياه.

في اللحظة الأخيرة، قبل أن يفقد وعيه، تذكر ما قرأه في مخطوطة قديمة أثناء أبحاثه. "لعنة المستمع لا تكسر إلا عندما يستمع المستمع لموته هو".

أدرك يوسف الحقيقة المروعة. لكي يتحرر، عليه أن يسمع ذكرى موته الخاص.

مع آخر بقايا قوته، وضع القناع العظمي على وجهه.

وانفتحت الجحيم.

لم تكن ذكرى مستقبله، بل كانت لحظة موته الحالية ممتدة إلى الأبد. شعر بآلام جميع من استمع لموتهم في وقت واحد. اختناق، طعن، غرق، سحق. كل الوفيات في once.

لكن الأسوأ كان الشعور بالوحدة والغضب والظلم الذي حمله كل ميت. عرف في تلك اللحظة أنه سيكون محكوماً عليه بتكرار هذه اللحظة إلى الأبد، مثلهم.

في الصباح، وجدوا جثة يوسف غارقة في غرفته، و على وجهه، كان القناع العظمي ملتصقاً بلحمه كما لو كان جزءاً منه.

وفي زاوية الغرفة، على طاولته، كانت مخطوطة مفتوحة على صفحة أخيرة كان قد فشل في قراءتها:

"ومن يضع قناع الموتى على وجه الأحياء، فإنه يربط روحه بأرواحهم. وعندما يموت، سيكون جسراً بين العالمين، خادماً أبدياً للأموات الغاضبين، يجمع لهم ذكريات الموتى إلى أن يأتي من يحل محله."

القناع اختفى من الغرفة، ينتظر باحث آثار فضولياً آخر ليقع في نفس المصير. 

انتهت 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
Ahmed تقييم 5 من 5.
المقالات

2

متابعهم

1

متابعهم

1

مقالات مشابة
-
إشعار الخصوصية
تم رصد استخدام VPN/Proxy

يبدو أنك تستخدم VPN أو Proxy. لإظهار الإعلانات ودعم تجربة التصفح الكاملة، من فضلك قم بإيقاف الـVPN/Proxy ثم أعد تحميل الصفحة.