العناية القديمة – نوبة جلال الليلية
نوبة منتصف الليل

كان يوم خميس، الشيفت بتاعتي بدأ من الساعة تسعة بالليل.
المستشفى كانت فاضية نسبيًا، كنت قاعد عند الاستقبال بشرب شاي، وفجأة الكهربا قطع في المستشفى كلها، ورجع تاني بعد كام ثانية..
ولما رجع، لقينا في الكاميرات إن النور في الدور الرابع بدأ يرعش، يشتغل ويفصل.. لحد ما فصل خالص.
دكتور أشرف وقتها قالّي:
_اطلع فوق يا جلال شوف النور ليه مطفي في الدور الرابع، شكل الفيوز ضرب.
الدور الرابع، آخر دور.. الدور اللي الكل بيخاف يطلعه من بعد الساعة ستة بالليل..
بس مكنش ينفع أقول حاجة، لأنه شغلي..
طلعت السلم لحد ما وصلت للدور المنشود، شغلت إضاءة الموبايل، بقول لنفسي مافيش حاجة موجدة، وكل كلامهم عن الدور ده مجرد كدب..
كنت بقوي نفسي علشان أقدر أصلح العطل وأنزل، بس أول حاجة خليتني مهزوز لما حسيت بهواء بارد جدًا، بمجرد ما مشيت خطوتين في الممر بتاع الدور!
واللي زود التوتر أكتر، صوت أزيز كده جاي من بعيد، مش عارف مصدره!.
والسكوت كان مرعب طبعاً.. يا دوب بصيت على لوحة الكهربا بتاعت الدور، ولقيت ضوء خفيف خارج من آخر الممر، جاي من أوضة مكتوب عليها "العناية القديمة".
ال.. المكان ده مقفول من سنين، وم.. ومحدش فتحه وبقاله
سنين مقفول بالقفل، إزاي دلوقتي مفتوح؟!..
مشيت ناحية الباب، كل ما أقرب، أحس إن الهوا بيتقل، وأنفاسي بتتسحب بالعافية.
هتقولوا لي ليه أصلاً بتروح، هقولكم أنا مكنتش عارف أنا بعمل كده ليه، كأن فيه حد متحكم فيّا!!
لما وصلت، لقيت الباب مفتوح نص فتحة، والقفل بيتحرك مكانه حركات خفيفة، بتدل إن فيه حد لسه فاتحه حالا..
لقيتني بفتح الباب بهدوء، ودخلت.
في النص، كان في سرير فاضي، جنبه كراسي مكسّرة، وعلى الحيطة صور قديمة لمرضى بوشوش مطموسة.
سمعت صوت نفس جاي من جوه الأوضة.
وقفت مكاني.. الصوت زاد، وبقى متقطع كأن حد بيشهق..
كنت حاسس بصراع جوايا، عايز أمشي من المكان، ورجلي مش مطاوعاني..
نفس فكرة الجاثوم لكن وأنا واقف، لحد ما قدرت أتحكم في نفسي، رفعت الموبايل ووجّهت الكشاف ورايا علشان أهرب من المكان.. لكن بمجرد ما الإضاءة كشفت لي الممر لقيتها واقفة!!.
ست واقفة في نص الممر، لابسة فستان أبيض متسخ، شعرها نازل مغطّي وشها بالكامل، وإيديها مليانة سوايل سودة!!...
لما وجّهت كشاف الموبايل عليها، كانت واقفة ثابتة، لا بتتكلم ولا بتتحرك، شعرها مبلول نازل مغطي وشها، وقطرات سودة بتقع من أطراف صوابعها على الأرض!!
الهواء كان بارد جدًا وقلبي بدأ يدق بقوة، كنت حاسس إن روحي هتطلع من كتر الرعب اللي كنت حاسه وأنا واقف بيني وبينها أمتار..
صوت نفسها غريب، قشعرلي جسمي بمجرد ما سمعته..
كانت لحظات والنور كله قطع!!.. حتى كشاف موبايلي فصل لوحده
في الوقت ده سمعت صوت أنفاسها في كل مكان حواليّا، قدامي وجنبي وورايا!
عايز أصرخ صوتي مش طالع، عايز أهرب رجلي ثابتة مش قادر أتحرك، وفي اللحظة دي النور جيه، بس حصل حاجة غريبة جدا.. أنا ملقتنيش واقف في الممر، أنا واقف في نص الغرفة بتاعت العناية القديمة لا عارف جيت هنا ازاي ولا لحقت أفكر حتى
لأني فضلت أبص حواليّا وأنا باخد نفسي بالعافية، وحاسس وسامع صوت حركة خفيفة في الأرضية، كأن في حاجة بتتزحف على السيراميك أنا مش شايفها!
شغلت كشاف موبايلي بإيدين مهزوزة، نزلت الكشاف لتحت، ولما شُفت مصدر الزحف، رجعت خطوات لورا
كانت هي، محشورة تحت السرير، بتتحرك ناحية رجلي، عينيها مفتوحة على الآخر، سودة فاضية، وسنانها باينة!
صرخت ووقعت على ضهري، الموبايل طار من إيدي، والنور فصل..
اللحظة دي كانت أطول وأصعب لحظة عشتها في حياتي، حسّيت بإيد بتلمس رجلي وفجأة إتسحبت سحبة قوية جرّتني مسافة شبرين لقدام تحاه السرير!!
شديت نفسي بالعافية، وقمت أجري ناحية الباب.
لكن وأنا بفتح الباب، الممر اللي كنت فيه اتبدّل!
الحيطان لونها غامق، الإضاءة كلها لسه مقطوعة، وباب السلم اختفى!
فضلت ألفّ حوالين نفسي وأنا بصرخ "فيه إيه؟! الحقوني!".
سمعت من بعيد أصوات همسات جاي بيقرب عليّا من كل اتجاه، أصوات كتير، بتقول اسمي بهمس متكرر:
“جلال... جلال... جلال...”
فجأة الحيطان حواليا ولّعت بنار أزرق قوي، والنور بدأ ييجي ويقطع بشكل سريع هستيري، لحد ما حصل انفجار بسيط في لمبة السقف، وانا وقعت على الأرض بصرخة مكتومة وأنا سادد ودني علشان صوت الهمسات كان مؤلم ومرعب.
بدأت أشيل إيدي بالتدريج، مافيش أي صوت، ب.. بس الضلمة كانت مسيطرة على المكان، مش شايف حتى كف إيدي..
في اللحظة الليقررت فيها إني لازم أهرب من هنا، حسيت بأنفاس في وشي، وشعر خشن بينزل على راسي، ولُعاب نزل على صوابع إيدي!!
عم الهدوء ثواني.. وبكل قوة إيد من نار مسكت رجلي وسحبتني بقوة سحلتني في الممر كله!!
غمضت عيني وصرخت صرخة قوية
وفجأة كل حاجة اختفت، بمجرد ما سمعت صوت قفل باب، واللي بتأكيد باب غرفة العناية القديمة، لا بقى فيه صوت.. ولا نور.. ولا نفس.. مجرد هدوووء مرعب وسواد قاتم.
فتحت عيني فجأة، وأنا بنهج..
كنت قاعد مكان ما أنا عند الاستقبال، كوباية الشاي بردت جنب إيدي اللي كانت بتترعش، والعرق مغرق وشي.
بصيت حواليّا، كل حاجة في مكانها. دقايق على ما تداركت إن أخدت تغفيلة وأنا قاعد، والساعة لسه تسعة وتلت .
ضحكت بخوف كده، وقلت لنفسي:
_ كابوس... مجرد كابوس يا جلال.
كنت لسه بمد إيدي أخد رشفة شاي علشان أهدّى، في الوقت اللي سمعت فيه صوت خلى الكوباية وقعت من إيدي إتكسرت، وشعر جسمي وقف.. وكل اللي مريت بيه في الكابوس، إتعاد قدامي زي الشريط..
لما سمعت صوت الدكتور أشرف ورايا بيقولي:
_ أطلع فوق يا جلال شوف النور ليه مطفي في الدور الرابع، شكله الفيوز ضرب!!.