ياسين سجين الظل

القصة:
لم تكن الغرفة مظلمة تمامًا، بل كانت تغمرها تلك الشفقَةُ الكَالِحَةُ التي تسبق الليل تمامًا، حيث تذوب معالم الأشياء وتتحول إلى مجرد أشباحٍ من نفسها. كان "ياسين" جالسًا على حافة سريره، يحاول أن يتنفس بعمق ليُخمد نوبة الهلع التي تشتد عليه كل ليلة في هذا التوقيت بالذات. لم يكن خائفًا من الظلام نفسه، بل من ذلك "الشيء" الذي يتحرك داخله.
بدأ الأمر بسيطًا، مجرد شعور بأنه ليس وحيدًا في الشقة. ثم تطور إلى صوت همسات خافتة، كصوت ورقةٍ تُمزق في غرفة بعيدة. ولكن الأسوأ كان الظل. لم يكن ظله هو، بل كان شكلاً أطول، وأنحف، يتحرك بانزياح طفيف عن حركاته الحقيقية، كصدى خائن.
الليلة، كان الأمر مختلفًا. لاحظ "ياسين" أن ظل ذراعه، الذي كان يجب أن يسقط على المكتب، لم يعد موجودًا. نظر إلى يده الحقيقية ثم إلى المكان الذي يجب أن يكون ظلها فيه. لا شيء. فرك عينيه، معتقدًا أن التعب يخدعه. وعندما نظر مرة أخرى، رأى ظل يده يتحرك ببطء، منفصلًا عنه تمامًا، زاحفًا على سطح المكتب مثل عنكبوت مشلول.
قلبه أخذ يدق كطبول الحرب. حاول النهوض، لكن جسده كان مثقلًا بثقل غير مرئي. ومن زاوية غرفة النوم، بدأ الظل الكبير – ظله الكامل – يتحرك منفصلًا عن الجدار. لم يعد مجرد صورة مسطحة، بل بدأ يكتسب بُعدًا، كأنه باب مفتوح إلى فراغ مطلق. تحرك نحوه بسلاسة مخيفة، لا خطوات تصدر عنه، فقط صمتٌ يزداد كثافة.
"ماذا تريد؟" همس "ياسين" وصوته مكسور.
لم تكن هناك إجابة بالكلمات. لكن شعورًا جليديًا تسلل إلى عقله، مشاعر ليست مشاعره: جوع قديم، ووحدة قاتلة، وحقد أسود. هذا الكائن لم يكن يسعى لقتله، بل لاستبداله. كان يريد أن يلبس جلده، أن يحتل ذاكرته، أن يصبح هو "ياسين" الحقيقي الوحيد.
رفع الظل ذراعًا مظلمة وطويلة. لم تكن ليده شكل محدد، بل كانت كالدخان الكثيف. لمست جبين "ياسين". لم يكن هناك إحساس باللمس، لكن فجأة، بدأت ذكرياته تتبخر كالدمى في لهب. وجه أمه، صوت ضحكة صديقه، أول قبلة... كلها كانت تُسحب منه ببطء، تختفي في ذلك العدم المتجسد.
صرخ "ياسين" من أعماقه، لكن الصوت لم يخرج. لقد سيطر الظل على حنجرته أيضًا. رأى في عيني الظل – إذا جاز تسمية الفراغين المظلمين في رأسها عينين – انعكاس وجهه هو، لكن مشوهًا، مبتسمًا بابتسامة مجنونة لم تكن له أبدًا.
سحبه الظل نحو الجدار. لم يكن هناك مقاومة. جسده اندمج مع الظلام، ليس كما يندمج الإنسان مع الظل، بل كما يندمج الحبر مع الماء، ذائبًا، منمحيًا.
في الصباح، كانت الشمس تشرق على الغرفة. وقف "ياسين" أمام المرآة، يرتبط ربطة عنقه. كان يبدو طبيعيًا. لكن عندما التفت مبتسمًا لزوجته التي كانت تمر من أمام الباب، كانت ابتسامته أوسع قليلاً من المعتاد، وعيناه أعمق ظلمة. وفي الزاوية المظلمة من الغرفة، حيث لا تصل الشمس، كان هناك ظل آخر، أصغر، مرتعد، محبوس داخل الزاوية، يشاهد بذهول العالم الذي سُلب منه، عاجزًا حتى عن الصراخ. لقد وجد الظل أخيرًا جسده، وكان على "ياسين" الحقيقي أن يعيش للأبد كمجرد شاهد صامت في عالم الظلال