الرنين الأخير في بيت الصدي

🏚️ العنوان: الرنين الأخير في بيت الصدى
كانت ليلى قد فقدت زوجها، خالد، قبل ستة أشهر في حادث سيارة مروع لم تُعرف ملابساته بشكل كامل. لم تجد الراحة في شقتهم المزدحمة بالذكريات، فقررت العودة إلى "بيت الصدى"، منزل عائلتها المهجور الذي ورثته عن جدتها.
كان البيت بناءً حجريًا ضخمًا، محاطًا بأشجار البلوط المتشابكة التي تحجب عنه ضوء الشمس. بمجرد أن أغلقت الباب خلفها، شعرت ليلى ببرودة غير طبيعية تخترق ملابسها، وسمعت ذلك الشيء الذي أعطى المنزل اسمه: رنين خافت، وكأنه صوت همس يرتد على الجدران الخاوية ثم يختفي فجأة.
في الأسبوع الأول، كانت ليلى تبرر الأصوات بأنها حركة الرياح أو تساقط أوراق الشجر. لكن الأصوات أصبحت أكثر وضوحًا. كانت تستيقظ ليلاً على صوت كسر زجاج لم تجد له أثرًا في الصباح، أو على صوت خطوات ثقيلة تتجه نحو غرفتها ثم تتوقف على عتبة الباب.
في إحدى الليالي الممطرة، وبينما كانت تتصفح ألبوم صور قديم، وجدت صورة لجدتها وهي شابة تقف أمام البيت، لكن نظراتها كانت مليئة بالذعر. وعلى ظهر الصورة، كانت هناك عبارة مكتوبة بخط يد قديم: “إذا رنّ ثلاث مرات... لا تجيبي”
في تلك اللحظة، سمعت ليلى الرنين الأول. كان صوتًا أشبه بضربة على نحاس، قويًا وواضحًا، وكأنه قادم من الطابق السفلي. التزمت ليلى مكانها، وارتجف جسدها.
مرت دقيقة صمت ثقيل، ثم سمعت الرنين الثاني. هذه المرة، كان الصوت أقرب، وكأنه يأتي من الردهة خارج غرفتها. شعرت ليلى برائحة تراب قديم وعفن تملأ الغرفة، وشعرت أن الهواء أصبح أثقل.
رفضت ليلى أن تستسلم للهلع، فأشعلت شمعة وشرعت في البحث عن أي دليل في البيت القديم. توجهت إلى غرفة جدتها التي كانت مقفلة دائمًا. بعد جهد، نجحت في فتح الباب لتجد أن الغرفة لم تتغير منذ عقود، ما عدا شيء واحد: على طاولة الزينة، كان هناك صندوق خشبي صغير مكسور.
فتحت ليلى الصندوق لتجد بداخله قلادة ذهبية، كانت ملكًا لزوجها خالد، وكان قد أقسم أنه فقدها قبل عام من وفاته! التقطت ليلى القلادة، وفي نفس اللحظة، رنّ جرس الباب الخارجي.
الرنين الثالث.
كان صوتًا مختلفًا هذه المرة، ميكانيكيًا وعاديًا، لكنه كان الرنين الثالث المذكور في التحذير. تذكرت ليلى العبارة: "إذا رنّ ثلاث مرات... لا تجيبي".
تجمدت ليلى في مكانها. هل هو كيان البيت الذي يطرق الباب؟ أم هو شخص؟
اندفعت ليلى نحو نافذة الردهة، وبعينين متسعتين من الخوف، نظرت إلى الخارج. لم يكن هناك أحد.
ثم، سمعت صوته. همس لم يكن صدى صوتها، بل كان صوت خالد، زوجها، يناديها من خلف الباب:
“ليلى... افتحي لي. الجو بارد جدًا في الخارج. يجب أن ترجعي لي القلادة...”
تسارعت دقات قلب ليلى بجنون. كانت تعرف أن خالد مات، ورؤيته أو سماعه أمر مستحيل. لكن صوته كان حقيقيًا، مليئًا بالحنّية التي اعتادت عليها.
وبينما هي على وشك مد يدها لفتح المزلاج، انتبهت لشيء على أرضية غرفة جدتها. كانت هناك صحيفة قديمة مطوية. التقطتها ليلى وفتحتها بسرعة. كان العنوان الرئيسي: “مأساة عائلية: وفاة الأب والأم في حريق غامض في 'بيت الصدى' - وابنتهما تختفي”
كانت القصة عن والدي جدتها، الذين توفيا في حريق داخل هذا البيت. لكن الجزء المرعب كان في الفقرة الأخيرة التي ذكرت أن ابنتهما الصغيرة اختفت ولم يُعثر عليها أبدًا، ويُعتقد أنها لم تستطع الهروب.
أدركت ليلى الحقيقة المروعة: الشيء الذي يسكن البيت هو "الابنة المختفية"، والتي قتلت خالد، وسرقت قلادته لتدعي أنها هو كي يفتح لها الباب. لقد كان كيانًا مظلمًا يستدعي الضحايا إلى الداخل، والقلادة كانت طُعمها الأخير.
"هل ستتركيني بالخارج يا حبيبتي؟" همس الصوت مجددًا، وهذه المرة بدا أكثر غضبًا.
لمعت ليلى بذكاء اليائس. رفعت القلادة الذهبية أمامها، وصرخت بأعلى صوتها:
“أنا لست غبية! أنا أعرف من أنتِ! أنتِ لست خالد!”
وبمجرد أن نطقت الكلمة الأخيرة، سُمع صراخ غير بشري قادم من خلف الباب، صرخة رعب خالص، وتبعها رنين مدوّ، أقوى من كل ما سبق، لدرجة أن الجدران اهتزت وسقطت منها قطع الجص القديم.
تلاشى الصوت فجأة. ولم يأتِ أي صوت آخر بعده. لا رنين، ولا همس، ولا حتى صوت خالد. ساد صمت مطبق، صمت الموت.
أدركت ليلى أنها نجت للتو من مصير مرعب. لكنها عرفت أيضًا أن البيت لم يتخلص من لعنته، بل تراجع كي يخطط للرنين التالي، والرنين الأخير الذي لن تتمكن من تجاوزه.
وضعت ليلى القلادة في الصندوق وألقت بالصندوق في بئر مهجورة خارج البيت، ثم أغلقت الباب وراءها إلى الأبد، وهربت من "بيت الصدى" قبل أن يصبح صدى صوتها هو الرنين الأخير الذي يُسمع داخله.