✴️ الجزء السادس من رواية “أنفاس لا تُرى” — بعد الشرارة
✴️ الجزء السادس من رواية “أنفاس لا تُرى” — بعد الشرارة

المقدمة
لم يكن اللقاء الأول كما تخيّله كل منهما طوال الأسابيع الماضية.
لم يكن لقاءً عاطفيًا بسيطًا، ولا صدفة رومانسية.
كان انفجارًا من الضوء، ورعشة امتدت في الهواء كأن الروح تحاول أن تعترف بشيء ظلت تخفيه طويلًا.
بعد اختفاء الشرارة، وقف نور وسيلين يحدقان في بعضهما للحظات طويلة لا يعرف أحدهما كيف يكسرها.
الليل كان هادئًا بشكل غريب…
والظل الذي حاول منعهما اختفى كما لو أنه دخان تبخر مع الهواء.
لكن أثره ما زال يحيط بالمكان.
المحتوى – الجزء السادس — بعد الشرارة
1 – أول كلمة
قال نور بصوت منخفض لا يخفي ارتباكه:
"إنتِ… سيلين؟"
لم تندهش من أنه يعرف اسمها.
كأن اسمها كان جزءًا منه منذ البداية، مجرد أن يراه تصبح المعلومة مكتملة.
هزّت رأسها، وقالت بارتباك لا يخفي خوفها:
"وأنت نور…؟"
ابتسم بخفة.
كانت الابتسامة قصيرة… لكنها صادقة، كأنها خرجت رغمًا عنه.
ثم نظرا إلى العلامة في يد كل منهما.
الغريب أن العلامتين كانتا تضيئان بنفس القدر، بنفس القوة، وبنفس الإيقاع…
كأنهما نبضان للقلب نفسه.
قالت سيلين بصوت خافت:
"هو… اللي بيحصل… ده حقيقي؟"
تنفّس نور بعمق، ثم نظر إليها:
"لو مش حقيقي… يبقى إحنا الاتنين بنهرتل بنفس الشكل."
ضحكت بخفة، لكنها ضحكة فيها خوف، ارتباك، وشيء آخر…
الراحة.
2 – عندما يهدأ الضوء
جلسا على مقعد قرب النهر، حيث الماء يلمع بضوء القمر الخفيف.
كانت اللحظة هادئة، لكنها محمّلة بأشياء لم تنطق بعد.
نور قال:
"من امتى العلامة بتتحرك؟"
ردت وهي تمسح إصبعها على الخط المضيء:
"من يوم الحلم اللي شفتك فيه لأول مرة… كان ممر طويل، وكان في ظل."
نظر إليها بسرعة.
"الظل؟"
هزت رأسها:
"آه… هو اللي كان واقف بينا. حسّيته مش بيكرهنا… لأ… حسّيته خايف."
ارتعشت حدقة عين نور قليلًا.
قال بجدية:
"خايف من إيه؟"
صمتت.
لم تكن تعرف كيف تشرح.
الظل لم يكن عدوًا… لكنه أيضًا لم يكن صديقًا.
وأخيرًا قالت:
"من إننا نتقابل."
3 – انجذاب لا يمكن إيقافه
لم يعدا قادرين على تجاهل ما يحدث بينهما.
لا يتعرفان على بعضهما حتى الآن… لا يعرفان الماضي الكامل ولا التفاصيل…
لكن الروح لا تسأل عن التفاصيل.
كانت سيلين تشعر بأمان غريب وهي تجلس قربه، ورغم أن هذه أول مرة تراه فيها، إلا أن وجوده لم يكن غريبًا عليها.
أما نور، فكان يحاول ألا يطيل النظر إلى عينيها، لكنه يفشل…
لأنهما تحملان نفس اللون الهادئ الذي رأه في الحلم قبل أن يفقد الوعي للحظات.
قالت سيلين بخجل:
"تعرف… عمري ما تخيلت أقابل حد بالشكل ده."
رفع حاجبه:
"تقصدين شخص بيطلع من نور ويجري ورا ظل؟"
ضحكت:
"تقريبًا…"
ثم نظرت إلى النهر…
وقالت بصوت منخفض:
"بس حسيت إني باعرفك. قبل ما أشوفك."
4 – العلامة تتغيّر
فجأة… شعرا بحركة خفيفة تحت الجلد.
العلامة بدأت تتوسع من جديد.
تحركت خطوط رفيعة على الجلد، كأنها شجرة صغيرة تمتد بأغصان ضوئية.
نور أمسك يد سيلين لا إراديًا، كأنه يحاول منع العلامة من التمدد.
لكن ما حدث بعدها لم يكن متوقعًا:
العلامتان أضاءتا بشدة… حتى إن الماء نفسه انعكس عليهما.
وخلال الثانية نفسها، رأيا رؤية قصيرة…
لم تكن حلماً…
بل ومضة واحدة:
هما… واقفان في مكان غريب…
معبد قديم…
أعمدة طويلة…
وريح ثقيلة…
وسيل من الضوء يسقط فوق رأسيهما.
ثم انتهى المشهد.
تنفست سيلين بسرعة:
"شفت اللي شفته؟"
هز نور رأسه:
"طيب… ده معناه إن العلامة مش بتجمعنا بس…
هي بتفكرّنا بحاجة… إحنا ناسيينها."
وقفت سيلين فجأة.
تركت يده، لكنها شعرت أن يدها لا تزال متصلة بيده بطريقة ما.
"نور… إحنا اتقابلنا قبل كده؟"
ابتسم ابتسامة حزينة:
"لو اتقابلنا… فأكيد ما كانش هنا."
5 – ظهور الخريطة
كانت اللحظة التالية مفصلية.
الخطوط الضوئية الجديدة في العلامة بدأت تتشكل على هيئة نمط محدد.
ريموت… لا.
رمز… لا.
كانت خريطة.
لكن ليست خريطة مكان عادي.
كانت خريطة لمكان واحد فقط يستطيعان رؤيته:
المكان الموجود في رؤيتهما.
المعبد القديم.
نور قال:
"ده مش حلم… ده طريق."
ثم نظر إليها مباشرة:
"وسواء الظل عايز يمنعنا أو يحمي حاجة…
إحنا لازم نكمّل."
لم ترد سيلين بالكلام.
اقتربت منه خطوة واحدة…
ثم همست:
"وأنا معاك."
وفي تلك اللحظة…
ارتجف الهواء حولهما من جديد، وكأن شيء أكبر بكثير من الإنسان بدأ يتحرك.
الوقت القادم… لن يكون سهلًا.
ولا عاديًا.
ولا آمنًا.
لكن شيء واحد أصبح مؤكدًا:
القصة بينهما لم تعد خيارًا…
بل قدرًا يتحقّق ببطء.