✴️ الجزء السابع من رواية “أنفاس لا تُرى” — مدينة الظلال… بداية المطاردة الكبرى
✴️ الجزء السابع من رواية “أنفاس لا تُرى” — مدينة الظلال… بداية المطاردة الكبرى

مقدمة
بعد انكشاف خيوط كثيرة من الماضي، تدخل سلمى مرحلة جديدة تمامًا من القصة؛ مرحلة لا تعتمد على المشاعر فقط، بل على الهروب، والتحليل، والثقة التي أصبحت الآن على المحك. هذا الجزء يفتح الباب لأحداث أكثر عمقًا وغموضًا، حيث يتحول الغرام إلى قوة تحمي… والخطر إلى حقيقة تلاحق كل خطوة.
المحتوى _ الجزء السابع _ مدينة الظلال… بداية المطاردة الكبرى
الجزء السابع
لم تتوقع سلمى أن تلك الليلة ستقلب حياتها رأسًا على عقب. بعد أن غادر ياسين بضع ساعات ليقابل شخصًا ادعى امتلاكه معلومات حول “سقوط المقهى الغامض” منذ سنوات، لم يعد. هاتفه مغلق، وآخر رسالة منه كانت:
“لو اتأخرت… ابعدي فورًا عن الشقة.”
في البداية ظنتها مزحة ثقيلة، أو مجرد حذر زائد، لكنه لم يعد… ولم يُجب.
هنا بدأ الخوف ينساب ببطء داخل صدرها مثل دخان أسود.
وقفت في شرفة الشقة الصغيرة بمدينة الإسكندرية، والليل يضرب وجهها بنسمته الباردة، والبحر يلمع من بعيد كأنه يراقبها. لكنها كانت تشعر بأن هناك من يراقبها بالفعل… مراقبة حقيقية. إحساس لا تستطيع تفسيره، لكنه يضغط على ظهرها، يجعلها تلتفت كل لحظة.
كان الشارع هادئًا بشكل غير مريح، وكأن الليل نفسه يتنفس بصوت منخفض.
جلست على الكرسي الخشبي، قبضتاها على هاتفها، وعقلها يدور:
من ياسين؟ من هؤلاء الذين يلاحقونه منذ الجزء الخامس؟ وكيف أصبحت هي جزءًا من هذا كله؟
أمسكت دفتر الملاحظات الذي تركه لها قبل يومين—كان مليئًا بخطوط مبعثرة، عبارات ناقصة، خرائط لمدينة لا تعرفها، وتواريخ ليلية مريبة. في أسفل آخر صفحة…
خط واحد هادئ، مختلف:
“لو اختفيت… ابحثي عن الرسالة عند الضوء الأزرق.”
ما الضوء الأزرق؟ وأين؟
لم تجد وقتًا لتفكر، لأن طرقًا عنيفًا دوّى على الباب.
بدأ قلبها يدق بقوة… هذه ليست دقة جار، ولا زائر، ولا توصيل طلبات.
هذه طرقات من يبحث… لا يستأذن.
سحبت حقيبة صغيرة وضعت فيها الدفتر، وبعض النقود، وهاتفًا آخر احتياطيًا كان ياسين قد أعطاها إياه سابقًا. حين حاولت الخروج من الباب الخلفي للشقة، سمعت أصواتًا غليظة تتناقش عند المدخل الأمامي.
— "اتأكد إنه هنا… ميمشيش قبل ما نفتش كل حاجة."
جمد الدم في عروقها.
من “هو”؟
هل يقصدون ياسين… أم هي؟
اختبأت خلف الستارة قرب النافذة الخلفية، ثم تسللت ببطء، وفتحت زجاج النافذة، وانحنت لتقفز إلى سطح الجراج أسفل الشقة. شعرت بألم في قدمها وهي تهبط لكنها تحاملت بسرعة.
لم تلتفت.
كانت تعرف أن الالتفات أول خطوة للخسارة.
ركضت بين الأزقة الضيقة، والرياح تدفع شعرها نحو عينيها، والقلق يلسع صدرها. كانت تسمع خطوات بعيدة خلفها، خطوات ليست واثقة… لكنها مصرة.
وعندما وصلت إلى نهاية أحد الأزقة، ظهر الضوء.
ضوء أزرق… صغير… قادم من لافتة محل قديم للإلكترونيات. كان المحل مغلقًا، لكن فوق بابه، لمبة زرقاء قديمة ترتعش كأنها تحتضر.
توقفت.
هل هذا ما يقصده ياسين؟
هل من الممكن أن يكون الحل… هنا؟
اقتربت ببطء.
ورأت على الباب—ورقة صغيرة مثبتة بشريط لاصق.
بقلب يرجف، نزعتها وفتحتها.
كانت الرسالة قصيرة جدًا:
“لو وصلتي هنا… اروحي لمخزن الرخام القديم. محدش هيقدر يلحقك هناك.”
مخزن الرخام… المكان الذي حكى لها ياسين عنه مرة واحدة فقط، عندما قال إن طفولته كانت تمر بين أروقته أثناء عمل والده. مكان منسي، بلا كاميرات، بلا سكان… بلا شهود.
لكن كيف عرف أن حياتها ستصبح هدفًا؟
ولماذا كل هذا الغموض؟
لم يكن لديها وقت للأسئلة.
رفعت رأسها، فوجدت رجلين يدخلان الزقاق من نهايته الأخرى.
بلا تردد… بدأت تجري نحو الشارع الرئيسي.
صار المشهد كأنه فيلم مطاردة:
سيارات تمر بجانبها بسرعة، بائعون يصرخون، أنوار المقاهي تضرب عينيها، ورجلان يركضان خلفها دون أن يخفيا ذلك.
قلبها يدق كطبول حرب.
عبرت الشارع، كادت تصدمها سيارة، صاح السائق بها لكنها لم تتوقف.
دخلت من شارع آخر، توقفت لحظة خلف حاوية كبيرة لتلتقط أنفاسها، لكن قدميها تستمران في الارتجاف كأنهما تصرخان: “اركضي!”
فتحت الهاتف الاحتياطي.
وجدت رسالة واحدة غير مقروءة من ياسين، أُرسلت قبل اختفائه بعشر دقائق فقط.
كانت الرسالة بلا مقدمات، بلا شرح، فقط:
“لو خاف قلبك… اتبعي خوفك. الخوف دلوقتي مش ضعف… الخوف دليل.”
أغلقت الهاتف بسرعة وهي تلتقط أنفاسها.
كانت تعرف أنه مهما حدث، يجب أن تصل إلى مخزن الرخام.
هناك فقط… ستعرف الحقيقة.
هناك فقط… ستفهم لماذا أصبح الحب بينهما جزءًا من خطة أكبر بكثير من مجرد قلبين عاشقين.
رفعت رأسها، واستجمعت قوتها، وانطلقت من جديد في قلب المدينة المظلمة… نحو المجهول الذي ينتظرها، وإلى الشيء الوحيد الذي قد ينقذ حياتها وحياة ياسين.