رَوَتْهُ راهِبة: الجزء الأول - حلقة ٦

رَوَتْهُ راهِبة: الجزء الأول - حلقة ٦

0 المراجعات

 

فجأة إلتفت طارق خلفه و يبدو أنه انتهاء من الرسم و قد كان وجودنا في الخلف بالنسبة له مفاجأة و لكنه سرعان ما بدا هادئاً، وكان شاباً وسيماً ذو بشرة سمراء متوسط الطول فأخذ يقترب منَّا و ألقي السلام علي الأخت دميانة و علمت من طريقته و أسلوب حديثهم معاً أنه يعرفها و تعرفه، ثم استدار إلي بإبتسامة واسعة قائلاً بصوت عذب بالغ الهدوء:
ما اسمك؟
تضاربت مشاعري و لم أستطع إيجاد وصفاً لها أو حتي تحديدها في تلك اللحظة و لكن وجدتني تلقائية في ردي عليه قائلة: 
اسمي مريم، أما بالنسبة لتلك اللوحة، فلا أعلم كيف أشكرك عليها جداً و لكنني أعتذر لك بشدة فلن أقبلها .. كان عليك أن ترسمني كما أنا لا أن تصنع مني راهبة ....
لا أعلم حقاً ما هذا الذي قلت فلم أقصد حقاً أن أسئ لصورة الراهبات لاسيما و أن إحداهن كانت تقف بجانبي و لم ألقي منها إلا كل خير في بضع ساعات إلتقينا فيها، و سرعان ما أحمر وجهي و أنا أنظر إلي دميانة قائلة و قد غمرني الخجل بشدة:
آسفة بالفعل .. ثم تركتهم و توجهت مسرعة نحو بقية الزملاء الذين كانوا يحزمون أشياؤهم استعداداً للمغادرة و صعدت إلي الأوتوبيس وودعنا راهبات الدير الذين أخذوا يلوحون لنا متمنين العودة لزيارتهم مرة أخري و أنطلق الأوتوبيس و أخذت أنفاسي تتلاحق سريعاً و قلبي قد اشتدت نبضاته و تزاحمت الأفكار في رأسي و أنا أفكر في أمر ذلك الشاب و تلك اللوحة التي رسمها لي لمجرد أنه رآني و فتنه جمالي و كيف له أن يرسمني في صورة راهبة .. ما هذا الذي يحدث لي؟ .. أري علامات و إشارات في حياتي لكني لم أجد قدرة علي إدراكها و تفسيرها، إذا كان القدر يحاول أن يجبرني أن أغير ردائي و ديانتي فإن هذا لن يحدث، ربنا أنا فقط أحبهم، احب عادتهم و تقاليدهم، أشاركهم مناسبتهم، لكن ما دون ذلك وهم ... وهم ... وهم .....
كان صوتي قد ارتفع نسبياً و أنا أتحدث مع حالي فالتفتت نحوي صديقتي القريبة جداً مني و التي أحبها جداً جداً لكوننا نحمل نفس الاسم رغم اختلاف الديانة، و تسائلت؟
حبيبتي .. ما الأمر؟! ماذا حدث؟ ما هذا الوهم؟ و ....................................................................
و ربما لم يتسني للإجابة علي ذلك السؤال أن تخرج إلي النور 
ففجأة أخذ الأوتوبيس يميل يميناً و يساراً بعدما عبر إحدي المنحنيات في الطريق بسرعة كبيرة و انقلب الأوتوبيس بنا في منحدر مرتفع في مشهد بشع وسط صراخ الزملاء و إصابة العديد منهم فكان مشهد تتجمد له الدماء في العروق، و أصابني الزجاج في كتفي و شعرت بألم رهيب و الأوتوبيس لا يزال ينقلب و فجأة تناهي إلي مسامعي بضع كلمات متقطعة لكنها كانت واضحة جداً:
(أشهد أن لا إله إلا الله .. و أشهد أن سيدنا محمد رسول الله)....
نظرت بجانبي و انتفض قلبي في صدري لما رأيت ....
اخترق زجاج النافذة رقبة مريم و تدفقت الدماء بغزارة منها و صدر منها حشرجة مخيفة بعدها قبل أن تسلم روحها و ......
و لم أعي أي شئ بعد تلك اللحظة التي لم و لن أنساها عمري إلا و أنا في المستشفي، فقد أفقت لأجد أختي بجانبي و قد أمتلأ وجهها بالدموع حزناً علي ما أصابني و حينما فتحت عيناي ابتسمت لي و الدموع تغرقها و أخذت تشكر الرب علي سلامتي، لكنني لم أكن أفكر في نفسي حقاً، كنت أفكر في مريم ..
فقط .. 
.......................................................................
و مرت الأيام و الشهور و السنين ....
آلهي .. لما أخذتها و لم تأخذني معها؟
آلهي .. لما تركتني وحيدة في تلك الحياة؟
آلهي .. أنت أبي السماوي ومخلصي من ذلك العذاب الذي أصابني
كانت مريم هي كل حياتي في تلك الدنيا، بعد وفاة أمي و أبي فلم يعد لي سوي أخي المهاجر منذ سنوات و أختي .. و مريم .. و بموتها فقد تركت فراغاً كبيراً في حياتي ..
لم أكن حقاً أستطع أن أحكم إن كانت مسلمة أم مسيحية مثلنا .. لقد انغمست في حياتنا حتي النخاع ..
مريم .. سلام الله علي روحك حبيبتي .. و معذرة أني قد أطلت عليكم طوال الحلقات السابقة في حديثي عن أختي المسلمة مريم و التي تعتبر آية لجمال الدين الإسلامي دين المحبة و الأخوة و التسامح فكان جديراً قبل أن أدون في تلك المذكرات أي أمر متعلق بحياتي أن أتحدث لكم أولاً في إيجاز عن جانب من حياة أختي في الأمجاد السماوية مريم كنت علي علم به و أكملت بعض تفاصيله من مذكرات خاصة بها كانت قد تركتها لي و استعنت بخيالي في بعض الأمور .. وقد كانت لمريم تأثيراً كبيراً في حياتي قبل موتها و حتي بعد ذلك
لذا فأدعوك ربي أن تلهمني الصبر و التحمل مثلما ألهمت مخلصنا يسوع  وانظر بعين الشفقة إلى كل من هو عزيز عندنا، افتقدهم جميعهم بمراحمك هذه الساعة،جدّد قلوبهم بنعمتك كما تجدّد عليهم السنين، واجعل هذا الوقت مباركاً لهم ولنا لكي يرجع كل واحد منا إلى نفسه ويتأمل في مصيره، وإذا كان أحد منهم بعيداً عنك فاجتذبه وقرّبه منك أو كان أحد منهم متردداً فامنحه نعمةً لكي يسرع ويختارك نصيباًَ له، تحنن اللهمّ وأرسل روحك القدوس الآن ونحن نصلي لأجلهم.

استجب لنا آلهنا و مخلّصنا .. آمين.

تابع

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
اسلام ابراهيم
المستخدم أخفى الأرباح

articles

460

followers

613

followings

116

مقالات مشابة