رواية جبر الخواطر بقلم الكاتبة اوركيد جمال
جَبرُ الخواطر
إن الله جبّار الخواطر، سيجبر الله خاطرك لأنه يعين المظلومين، الفقراء، المرضى و المحرومين، سيجبر الله خاطر كل عباده، عندما كنت اسمع هذا الكلام أقول في نفسي متى سوف يجبر الله خاطري .
و الآن أرى جبر الله لي... نعم فقد جبر الله خاطري، عوضني أيام الظلم و القسوة و الحمد لله .
تبدأ قصتي عندما انتقلنا من منزلنا إلى منزلٍ جديد في حي التجار، في بداية الأمر كنت حزينة جداً لتركي منزلنا الحبيب الذي عشت فيه طفولتي و الذي يحمل كل ذكرياتي الجميلة... ولكن بعد فترة رأيت فرحة والدي بنجاحه في مشروعه الذي أسسه في هذا الحي، أصبحت سعيدة جداً لسعادته، أعرفكم ببطل حكايتي و سندي... إنه والدي: أحمد جابر؛ يعمل مهندساً معمارياً، وهو جاد ومجتهد في عمله، ويتميز أبي بحنانه الشديد... فقد عوضني عن فقدان والدتي التي رحلت عني مبكراً في صغري منذ نعومة أظافري.
ولكن كما هو محتم على الجميع فالسعادة لا تطول ، ففرحتي وسعادتي أنا بوالدي لم تطل كثيراً، رحل والدي وذهب إلى خالقه و تركني وحيدةً مجدداً، أحارب الأيام الصعبة وحدي، لا لست وحدي... لأن الله معي، و سوف يجبر خاطري، كما كان يقول والدي لي دائماً، إن الله جبّارُ خواطر عباده.
انتقل للعيش معي في منزلي بعض أقرابي و هم عمي و وزوجته وجدتي والدة أبي، بحجة أنهم سيعتنون بي لأن والدي ترك كل أملاكه مسجلة باسمي، و هنا بدأت معاناتي الحقيقة، استيقظت على صوت جدتي وهي تقول: هيا استيقظي يا آمنة، فقد حل وقت الظهيرة وأنت لا زلت نائمة، من تنظرين لينظف المنزل ويحضر الطعام الغداء لنا؟ أجبتها باستغراب: لقد استقيظت منذ الفجر يا جدتي قبل أن تستيقظ العصافير حتى، و قمت بأعمال المنزل و التنظيفات و فقط منذ عشر دقائق فقط أتيت لأخذ قيلولة صغيرة و أنت تيقظينني الآن يا جدتي.
خرجت جدتي كالعادة بعد كل إلقاءٍ للأوامر و لا تسمع رأيي حتى و لا تنتظر ردي، تتجاهلني تماماً، و تخرج مسرعةً من الغرفة، نهضت و توجهت إلى المطبخ لكي أضع الطعام على النار فقط، لأنني أعددت مكونات الطبخة التي عليّ طهوها مسبقاً قبل أن أذهب لأخذ قيلولة صغيرة، و كنت قد حضرّت اللازم و وضعتها في القدر، و كان بقي فقط أن أضعها على النار، و جدتي لو أنها دخلت المطبخ ونظرت داخل القدر لرأت ما يوجد به، لكنني سوف أصدمهم الآن بسرعتي في الطهو.
بعد الانتهاء من الطهو بشكل سريع و استواء الطعام، وضعتها في أواني طعامٍ زاهية المنظر، و خرجت بها إلى طاولة السفرة، مع أنظار الاستغراب و الدهشة منهم، بأن كيف أنجزتها بهذه السرعة، لأن تجهيز و إعداد هذا الصنف من الطعام يستغرق وقتاً طويلاً، و هي "ورق الدوالي مع كوسا المحشي"، جلسنا جميعاً على الطاولة نتناول الطعام، رافقتهم أنظاري لهم وهم سعيدون بالطعام يأكلون بفرحة.
آمنه هيا انهضي و نظفي مكان الغداء بسرعة، أيتها الفتاة الكسولة، هكذا صرخت بي زوجة عمي الشريرة، بدلاً من أن تقول لي سلمت يداكي على هذا الطعام الجميل، للأسف يردون عليّ بالصريخ و الأوامر التي لا تنتهي، ألا يعلمون من هو صاحب البيت هنا.
وقفت أمامها هذه الشريرة وقلت: لديك ابنة اسمها سوسن، تنظيف المطبخ يكون لها، أليس كذلك؟! يكفيني عمل من الصباح الباكر و التنظيف و التجهيز للطهو لساعات، و لف ورق الدوالي للطبيخ، أم تظنين لأني أحضرت لكم الطعام سريعاً أنه نزل من السماء، كلا لقد.أعددت كل شيء مسبقاً حتى تتناولوا طعامكم بالوقت المناسب.
تركتها تشتعل من نيرانها تلك الحقودة، واستدارت كي اتوجه إلى مكاني الآمن... إلى غرفة والدي، قاطعني صراخ عمي، متوجهاً نوحي مسرعاً وهو غاضب، بدأ بضربي وهو يقول: كيف تجرؤين أيتها الفتاة الحمقاء، زوجتي هي سيدتك، وابنتي حذائها تاج على رأسك، هل فهمتِ؟! أفهمتي؟!... هيا تحركي بسرعة الى المطبخ كما قالت ملكة المنزل.
ياجبار ياجبار اجبر لي خاطري يالله أقول هذا كلام بيني وبين نفسي، هذه معاناتي اليومية يعاملوني كأنني عدوة لهم و لست من أهلهم، هكذا يعامل العم ابنت أخيه؟؟!! انتهيت من تنظيف المطبخ، عدت إلى ما اعتبرها روحي؛ "غرفة والدي"، جدتي أرادت أن تجلس فيها، ولكن وقفت ضدهم جميعا، ولم أسمح لأحد بأن يدخلها، يكفي أنهم يتصرفون في مال والدي وماتركه لي كما يشاؤون، هذه الغرفة هي الشيء الوحيد الذي بقي لي من رائحة والدي العزيز رحمه الله، إنها ملاذي الآمن.
جلست على سريري كالأموات، و نظري موجه إلى سقف الغرفة... تذكرت الرسائل المجهولة التي أجدها على نافدة غرفتي، نهضت مسرعة نحو النافذة، بعد تذكري رسالة على أمل أن أجدها، فأنا منذ فترة أفتقد الطاقة المعنوية التي تأتيني من هذه الرسائل، شكراً لكاتب هذه الرسائل لكنه شخص المجهول لم يكشف لي عن هويته بعد.
لم تسع صدري السعادة، يا الله فرحتي لا توصف، لقد وجدتها في نفس المكان، هي سري الجميل... نعم إنها سر أخفيها عن الجميع، ولم أخبر أحدٌ عنها، حتى بئر أسراي لم أحدثه عن هذا الأمر، أخذتها كطفلة سعيدة بهدية وصلتها من أناس تحبهم، جلست على السرير وفتحتها بلهفة لاتوصف وفيها كالتالي :
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيف حالك أميرتي، إن شاء الله بخير، أعتذر عن غيابي هذه الفترة فلم أستطع التواصل معك لانشغالي في العمل، أتمنى أن تكوني بخير كيف همتك للفصل الدراسي الجديد، لقد اقترب موعد العودة للجامعة، أعلم أنك سعيدة تتنظرين بفارغ الصبر لتخرجي من المنزل و تتخلصي من الأذى الموجود فيه.
لقد علمت أن الظالم قد ضربك مرة أخرى اليوم، لا أدري ما هو سبب ضربه لك، ولكن أنا متأكد أنه سبب تافه و أنك مظلومة، أذكرك أن المظلوم له مكانة كبيرة عند الله، ربنا لن ينساه و سيجازيه، فلا تحزني نفسك، أذكركٍ برب العباد وكرمه وأنه سوف يجبر بخاطرك عن قريب، ولا تتركي صلاتك و قراءة وردك من القرآن والأذكار، وفي الختام استودعك عند الذي لا تضيع ودائعه، وفي أمان الله وحفظه و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
التوقيع: سندك.
نزلت دموعي كالأمطار على وجنتي، من هذا الشخص؟! أنا متأكدة أنه شاب وليست فتاة، من طريقة كتابته ولقبه الذي بدأ يضعها في آخر الرسالة، وضعتها مع أخواتها الأخريات، في مكان لا يعلمه أحد غيري، فهم سر ساعدتي، أنسى حزني بعد قرأتها، عدت إلى فراشي، وقرأت أذكار النوم كما يطلب مني دائماً، و معها سورة الملك، بعد التزامي بها تغيرت للأفضل، صرت أنام براحة وبدون الكوابيس التي كانت مرافقة لي منذ القدم الحمد لله، حضنت وسادتي، وذهبت في حبل أفكاري إلى التفكير في الشخص المجهول... سندي كما يلقب نفسه: يا الله، متى سوف يظهر هذا شخص لي... لأتشكره على الطاقة الإيجابية، التي يمنحها لي من خلال حروف السعادة التي يجمعها بهذه الأوراق، و الشكر كله يوعد للرحيم الذي لا ينسى عباده.
ذهبت في نوم عميق براحة البال والسعادة، استيقظت على صوت جميل، الصوت الذي يجعلك تذهب إلى مكان آخر صوت هذا المؤذن في جامع حارتي صوته عذب ما شاء الله تبارك الرحمن، حفظه الله.
بدأ العد التنازلي للعودة لجامعتي، والفصل الأول من سنتي الاخيرة، طبعاً أيامي لم تمر بدون مضايقات جدتي و ابنها وعائلته لي، وأنا أحاول تجنبهم، و تجنب إحداث المشاكل بيننا، و أعمل كل ما يطلبوه بدون رد، لتمر هذه الأيام بخير وسلام عليّ، و لكي ألقى صديقاتي وزميلاتي و أنا بصحة وعافية غير مرافقة لكدمات الضرب من عمي، التي كانت ترافقني يوميا، بآثار واضحة... بعد أن أصبحت اسمع كلامهم بدون ناقش أو مجادلة خف ضرب عمي لي.
وأخيراً وليس آخراً استيقظت وعلامات النشاط والحيوية والفرح ترافقني، هذا الصبح الجميل انتظره بفارغ الصب... ها قد أتى أخيراً، قمت بالروتين الصباحي المعتادة عليه، من سماع الآذان إلى الصلاة و أذكار الصباح وقراءة وردي الصباحي من القرآن، وبعدها ذهبت لتجهيز فطارٍ لهم، وترتيب المنزل، بصراحة بدأت في ترتيب بعض الأمور منذ الليل، للتخفيف من أعمال الصباح لدي، والذهاب باكراً إلى محاضراتي... انتهيت من كل المطلوب مني، وحضرت نفسي وحقيبتي وانطلقت الى دوامي الدراسي.
نكمل في الفصل الثاني ……