الظلام الخفى فى القرية
في ليلة مظلمة من ليالي الشتاء، كانت الرياح تعصف بقوة، تعزف سيمفونية الرعب في أرجاء القرية الهادئة. كل شيء كان يوحي بالهدوء في النهار، ولكن الليل كان يحمل في طياته أسرارًا مخيفة.
"ليلى" كانت تعيش وحدها في بيت قديم على أطراف القرية. كانت تحب العزلة والهدوء، لكن شيئًا ما في هذه الليلة جعلها تشعر بالقلق. جلست ليلى في غرفة المعيشة، تستمع إلى صوت الرياح وهي تهز النوافذ، بينما كانت النار تشتعل في الموقد أمامها. كانت تقرأ كتابًا قديمًا عن الأساطير المحلية، عندما سمعت صوتًا غريبًا يأتي من الطابق العلوي.
توقفت ليلى عن القراءة، حدقت في السقف محاولة فهم مصدر الصوت. ربما كان الرياح، هكذا أقنعت نفسها. عادت إلى قراءة الكتاب، لكن الصوت تكرر مرة أخرى، هذه المرة أقوى وأكثر وضوحًا. لم تستطع تجاهله. وضعت الكتاب جانبًا ونهضت ببطء. أخذت مصباحها وصعدت السلالم بهدوء، حذرًا.
كانت الأنوار خافتة، وكان الظلام يتربص بكل زاوية. كلما تقدمت ليلى خطوة، زاد شعورها بالخوف. وصلت إلى الطابق العلوي، توقفت لتلتقط أنفاسها. توجهت إلى الغرفة التي جاء منها الصوت. فتحت الباب بحذر، لتجد الغرفة خالية تمامًا. لكن هناك شيء ما لم يكن على ما يرام. كان الجو باردًا بشكل غير طبيعي، وكأن الغرفة تحتفظ بسر رهيب.
بينما كانت تتفقد الغرفة، لاحظت شيئًا غريبًا على الجدار. كان هناك رسم قديم مخبأ تحت طبقة رقيقة من الطلاء، وكأنه يروي قصة مريبة. اقتربت ليلى ونظرت بتمعن. كانت هناك أشكال غامضة وأشباح مموهة. امتدت يدها لتلامس الرسم، لكن فجأة شعرت بتيار بارد يجتاحها، وكأن الجدار يتنفس.
فجأة، سمعت همسات غامضة، أشبه بصوت بعيد يناديها. تراجعت بخطواتها للخلف، مرتعبة، لكن الفضول كان أقوى من الخوف. حاولت فهم ما يحدث، لكن كل ما استطاعت سماعه كان صوت همسات غير مفهومة، وكأنها صادرة من عالم آخر.
عادت ليلى إلى الطابق السفلي، محاولًا استعادة رباطة جأشها. جلست بجانب النار مرة أخرى، لكن هذه المرة كانت تشعر بشيء غريب في الهواء. أطفأت المصباح وجلست في الظلام، متأملة اللهب المتراقص. فجأة، شعرت بشيء يلمس كتفها. استدارت بسرعة، لكنها لم تجد أحدًا.
بدأت الأمور تتعقد أكثر فأكثر. بدأت تسمع أصوات أقدام تقترب وتبتعد، وطرقًا على النوافذ. كلما حاولت فهم ما يحدث، زاد خوفها. شعرت بأن البيت أصبح كيانًا حيًا، يراقبها، ينتظر اللحظة المناسبة للانقضاض.
قررت ليلى أن تخرج من البيت، لكن عندما حاولت فتح الباب، وجدته مقفلًا بإحكام. جربت كل المفاتيح، لكن دون جدوى. كأن البيت قرر احتجازها داخله. شعرت بالعجز والذعر. جلست على الأرض، تحاول تهدئة نفسها. بدأت تفكر في الأساطير التي قرأتها، وتتساءل إن كانت تعيش واحدة منها الآن.
في تلك اللحظة، رأت ظلًا يتحرك في الزاوية. كان ظلًا طويلًا وغامضًا، لا يشبه أي شيء رأته من قبل. اقترب الظل ببطء، وكأن له إرادة خاصة. حاولت ليلى التحرك، لكن قدميها كانتا مغلولتين بالخوف. توقف الظل أمامها، وبصوت عميق وغامض قال: “لم يكن يجب عليكِ البقاء هنا، هذا المكان ليس لكِ.”
صرخت ليلى بأعلى صوتها، لكن الصوت اختفى في الفراغ. الظل ابتعد ببطء، وكأنه يحمل معه سرًا قديمًا. بدأت ليلى تدرك أن البيت نفسه مسكون بأرواح قديمة، تبحث عن الانتقام أو ربما تريد إيصال رسالة.
لم تنم ليلى في تلك الليلة، وجلست بجانب النار حتى بزوغ الفجر. عندما أشرقت الشمس، شعرت ببعض الراحة. لكنها كانت تعلم أن الأمور لم تنتهِ بعد. جمعت أغراضها بسرعة وقررت مغادرة البيت للأبد. لكنها قبل أن تغادر، نظرت إلى الجدار مرة أخرى، حيث كان الرسم القديم. كانت الأشكال قد تغيرت، وكأنها تروي قصة مختلفة الآن.
خرجت ليلى من البيت، ولم تلتفت خلفها. قررت أن تبدأ حياة جديدة بعيدًا عن القرية والبيت المسكون. لكنها كانت تعلم في أعماقها أن هذه التجربة ستظل تطاردها إلى الأبد، وأنها لن تنسى أبدًا الظلام الخفي الذي عاشته في تلك الليلة المرعبة.