نور في الظلام
"نور في الظلام"
كانت ليلى، الطفلة ذات السنوات السبع، تعيش حياة بسيطة مع عائلتها في قرية صغيرة هادئة. كانت القرية محاطة بالجبال والغابات، وكل شيء فيها ينبض بالسكينة. في أحد الأيام المشؤومة، ومع حلول المساء، بدأ المطر يهطل بغزارة لم تعهدها القرية من قبل. تحولت الطرقات إلى أنهار، وسرعان ما اجتاح الطوفان كل شيء. كان الجميع يصرخ ويحاول الهرب، لكن الفوضى كانت عارمة.
بينما كان والدها يحاول إنقاذ بعض الأغراض، وبينما كانت والدتها تصرخ بأسماء أطفالها، وجدت ليلى نفسها تجرفها المياه بعيدًا عن المنزل. حاولت التمسك بأي شيء، صرخت بأعلى صوتها، لكن الماء كان أقوى. رأت العالم من حولها يتلاشى، ومن ثم ابتلعها الظلام.
استيقظت ليلى على أرض طينية بجانب نهر صغير. لم تكن تعرف كيف وصلت إلى هناك، لكنها شعرت بالخوف والوحدة. صرخت تنادي والدتها، لكن الصوت الوحيد الذي سمعته كان نباح كلاب في المسافة. قامت ببطء، قدماها الصغيرتان غارقتان في الطين، وبطنها يقرصها الجوع.
بدأت تسير بلا وجهة، محاطة بالغابة الكثيفة التي ازدادت وحشتها مع الظلام. كانت الليلة الأولى الأطول في حياتها. شعرت بعيون تراقبها من بين الأشجار، وأصوات ليلية مجهولة تجعل قلبها الصغير يخفق بشدة. جلست تحت شجرة كبيرة، مرتجفة من البرد والخوف. وبينما كانت تغمض عينيها، شعرت بشيء يلمس كتفها.
التفتت بسرعة، لتجد كلبًا صغيرًا يهز ذيله بحذر. كان يبدو ضالًا مثلها، وحيدًا مثلها. مدت يدها نحوه بخوف، لكنه لعق يدها بلطف، كأنه يقول: "لستِ وحدكِ الآن". شعرت ليلى ببعض الطمأنينة، وقررت أن تسميه "رفيق".
في الأيام التالية، تحولت الغابة إلى منزلها المؤقت. تعلمت من "رفيق" كيف تجد الطعام. كان يقودها نحو الشجيرات الممتلئة بالتوت البري، ويساعدها في العثور على ماء المطر المتجمع بين الصخور. في الليل، كان يحرسها وهي تنام، وعيناه لا تفارقان الظلام من حولهما.
لكن الأيام كانت قاسية. الجوع كان ينهشها، والخوف من عدم العثور على عائلتها كان يقتلها ببطء. كانت تسأل نفسها: هل سأعود؟ هل أمي وأبي بخير؟ ماذا لو لم أجدهم أبدًا؟ ومع ذلك، كانت تمضي قدمًا، لأن "رفيق" كان دائمًا بجانبها، ينبح كلما ترددت أو شعرت باليأس.
في الليلة الرابعة، بدأت ليلى تسمع أصواتًا غريبة. هل هي حيوانات؟ أم أصوات بشر؟ ركضت باتجاه الصوت، بينما "رفيق" يتبعها عن قرب. صعدت تلة صغيرة، لترى من بعيد أضواءً خافتة تتحرك بين الأشجار. هل يمكن أن تكون هذه فوانيس؟
اندفعت بكل ما تبقى لها من طاقة، تصرخ: "أمي! أبي! أنا هنا!" لكن صوتها كان ضعيفًا، بالكاد يسمعه أحد. فجأة، رأتها امرأة من المجموعة، وصرخت للآخرين: "تعالوا! إنها طفلة!" تجمع القرويون حولها، ومن بينهم والداها. لم تصدق عيناها حين احتضنتها أمها بقوة، والدموع تغمرهما.
لكن "رفيق"، الكلب الذي كان سبب نجاتها، وقف بعيدًا ينظر إليها. التفتت لتشكره، لكنها وجدته ينسحب ببطء نحو الغابة. نادته، لكنه لم يعد.
كبرت ليلى، وعاشت حياة مليئة بالتحديات والنجاحات. لكنها لم تنس أبدًا تلك الليالي المرعبة، ولا الكلب الذي كان صديقها الوحيد في أسوأ أوقات حياتها. في كل مرة ترى كلبًا ضالًا، تتذكر "رفيق"، وتتساءل: هل كان مجرد كلب؟ أم أنه كان ملاكًا أُرسل لينقذها؟